في الأول من مارس 2002، أعلن المسرح الأبازيني الجمهوري للدولة عن إستضافة افتتاح أول مسرحية تستند إلى رواية بايمورزا تخايتسوخوف. وفي الذكرى السنوية لهذا التاريخ، أعد موقع المؤتمر العالمي لشعب الأباظة مقالا عن تشكله و مسار النجاح للمسرح الجديد، بالضافة الى أعماله الرئيسية وخططه للمستقبل.

ليودميلا أيسانوفا

في التسعينيات من القرن الماضي، قام كل من المثقفين الأبازين المبدعين في قراشاي – تشركيسيا والمنظمات العامة التي تمثل مصالح هذا الشعب الصغير، بالتوجه بشكل فعال للسلطات الاتحادية والإقليمية لمناقشة مسألة الإحتياج إلى إنشاء مسرح حكومي.

وفي ذلك الوقت، كانت المسارح الروسية ومسارح القرشاي والشركس (الأديغا) تعمل بنجاح كبير في الجمهورية، وهنا في الرابع من يونيو 2001 صدر المرسوم الرئاسي رقم 48 الذي ينص على تشكيل مؤسسة حكومية جمهورية "مسرح الدراما الجمهوري الحكومي الأبازيني"، الذي تلقاه كل أبازيني بحماس كبير.

"إدراك أهمية هذه المبادرة للشعب"

المهمة الأولى هي ظهور التساؤلات عن تشكيل الطاقم وتهيئة مكان العمل وخلق الظروف للمؤسسة الجديدة.

وعند النظر في المرشحين لمنصب مدير المسرح، تم اختيار وبالإجماع عمر كيشماخوف، مواطن من قرية بسيج (حتى عام 1925 كانت قرية دوباروكوفسكي)، حاصل على تخصص كإقتصادي ومنظيم للعمل المسرحي غيتيس المسمى تيمناً لوناتشارسكي في موسكو. في سنوات مختلفة، وعمل المدير المستقبلي للمسرح الأبازيني في الأوركسترا الإقليمية، وكمدير لدار الثقافة آر تي إي، و نائب مدير مسرح الدراما الإقليمي.

وكما يتذكر كيشماخوف قائلاً :"في ذلك الوقت بدأت الأنخراط و بنجاح في مجال الأعمال الحرة ولم أفكر في الانتقال إلى العمل في مؤسسات الدولة – لكن عندما أدركت أهمية هذه المبادرة لشعبي، شعرت بداخلي بما يكفي من القوة والإلهام للعمل الإبداعي، وبجميع بدأت بهذا العمل".

وفي الواقع، عمر كيشماخوف ببساطة "تحمس" لفكرة إنشاء مسرح حقيقي لشعبه، مكرسا له كل وقته، وكان عليه أن يبدأ من الصفر، وحقيقة عدم وجود موظفين فنيين مستعدين للعمل في مجال المسرح لم تكن عقبة، حيث قام عمر كيشماخوف بجولة في جميع القرى بحثا عن شباب موهوبين ذوي ميول فنية وإمكانات إبداعية ومعرفة جيدة باللغة الأبازينية الأدبية.

وقال كيشماخوف: "إن المسرح هو، قبل كل شيء، الممثل، و [أول مهمة قمت بها] دعوت الممثلين الرئيسين المشهورين للعمل في الوسط الفني للمسرح الشعبي الأبازيني (لم يكن احترافيا بعد، وإنما للهواة)، الذي عمل على مدى عشرات السنوات في دار الثقافة في قرية إنجي-تشوكون".

مكان الضيق يتسع لألف صديق

كان كل من إينال خوبييف، وكل من محارب وريتا أغاتشيفا، وكويتشيفا زوريدا، وأمير بيدجيف جزء من ممثلي المجموعة التي شكلت الفرقة الرئيسية للمسرح.

و كما يتذكر عمر قائلاً : "لقد أدركت أن الخطوة الهامة الثانية هي تدريب طاقم جديد قادر في المستقبل القريب على أن يصبح العمود الفقري للفرقة "و دمائها الجديدة"، لقد قررنا إرسال 15 شابا تم اختيارهم من قرى الأبازين للدراسة".

وعلى الرغم من القيود التعليمية وعدد المقاعد الدراسية المجانية المحدودة في المؤسسات التعليمية، تمكنا من الاتفاق مع رئيس معهد شمال القوقاز للفنون على قبول جميع الشباب. و أصبح هذا ممكنا بفضل جهود مدير المسرح، و ممثلي بعض الناشطين من جمهورية قرتشاي-تشركيس، و قيادة جمهورية قبردينا-بلقاريا.

هذا و بالإضافة لطاقم الممثلين المستقبليين، تم إرسال إلى المؤسسة التعليمية مدرس للغة الأبازينية والأدب، الشاعره لاريسا شيبزوخوفا، التي ستعمل مع الطلاب الأبازين طوال هذه الفترة. كان لديهم دراسة مثيرة للاهتمام ورائعة في واحدة من أهم الجامعات المسرحية، وبالنسبة لهم قد تم فتح الستار لعالم الفن المنفرد (المسرح).

وأما بالنسبة للعمل المسرحي خاصةً، أنه في البداية، كان على كل من الموظفين والفنانين في المسرح الأبازيني أن يتجمعوا في بضعة مكاتب. كما جرى تقاسم خشبة المسرح أثناء التدريبات مع عدة مجموعات أخرى من المسارح الوطنية الحكومية. فكما يقال، المكان الضيق، يتسع لألف صديق! ، ليبقى الأهم وهو الرغبة في الإبداع.

لم يكن هناك أي شك عما سنقدمه في العرض الأول

الآن، و بالنظر إلى الوراء، عمر كيشماخوف كان مسروراً جدا بنتائج الإجراءات المتخذة لإعداد المسرح المستقبلي. وبدأ العمل في تحضير العروض، حيث بدأت الفرقة في التحضير للمسرحية الأولى.

ويضيف عمر " لم يكن لدي أي شك حول ما سنقدمه، ففي فترة نمو الوعي الوطني للشعب، و بحثه في جذوره، و تقبل الصفحات المأساوية في تاريخنا، والتي تمثلت بأشهر عمل وهو الرواية الشعبية "حفنة من التراب" للكاتب باي مورزا تخايتسوخوف من جمهورية قرتشاي-تشركيسيا (رواية من عام 1966 تتحدث إعادة التوطين الجماعي لسكان الجبال إلى الإمبراطورية العثمانية، والتي أصبحت شعبية للغاية في جمهورية قرشاي - شركيسيا وخارجها، كما أثارت أهم موضوع لسكان الجبال)، هذا وقد قررت عرض هذه المسرحية التي سميت "على خطى المهاجرين" المأخوذة من هذا العمل الروائي ".

كما ساهم زملاء كيشماخوف بعمل قيم في التحضير للمسرحية: فكان رئيس القسم الأدبي في المسرح الشاعر ميخائيل شيكاتويف المعروف في شمال القوقاز وخارجه، ومخرج المسرحية أبريك-زاور غوجيف، و بشكل رئيسي ومباشر، شارك في إعداد المسرحية مؤلف الرواية بيمورزا تخايتسوخوف.

"نحن محظوظون جدا أن بيمورزا تخايتسوخوف استطاع بنفسه تنسيق العمل، وتقديم المشورة وإرشادنا، فهكذا فهم المؤلف بوضوح، أن عمله الأدبي الإبداعي الأول سيكون له استمرارية آخرى، ليست أقل قدراً، و التي فتحت إمكانية جديدة لإقبال جمهوري أوسع – مما جعل الكاتب سعيداً للغاية".

يتحدث العرض الأول للمسرحية عن مصير فتاة أباظة مع الآلاف من المواطنين أصبحوا في بلاد الغربة في نهاية القرن التاسع عشر، والتي أصبحت حدث تاريخي حقيقي ليس فقط للمسرح وممثلي الوسط الثقافي الحكومي، ولكن أيضا لجميع الأبازين. وكان ذلك حافزا قويا لإنعاش الثقافة العرقية للشعب القليل العدد ومواصلة تطويرها.

قام بأداء الأدوار الرئيسية في المسرحية أمير بيدجيف، أمينات كودجيفا، ديانا كابلاخوفا وآخرين من الممثلين الموهوبين، الذين تقبلوا مهمتهم ببراعة وفي يوم ما أصبحوا مشهورين في جميع أنحاء الجمهورية.

وقال كيشماخوف: "عدد قليل من الناس آمن أنه في مثل هذه الفترة الزمنية القصيرة يمكن القيام بمثل هذه المسرحية الجادة. العرض المسرحي كان عظيما كما، بوجود 730 مقعدا في قاعة المسرح الدرامي الجمهوري، تجمع أكثر من ألف وخمسمئة شخص".

انتصارات مشرقة وعروض مسرحية شعبية مفضلة

على مدى السنوات الـ17 الماضية، نظم المسرح وأدى أكثر من ثلاثين عرضاً مختلفاً، وتنسب الكثير منها إلى كنوز الفن المسرحي في شمال القوقاز، من بينها العمل المفضل من قبل الجمهور "غوشيغاغ"،المسرحية سميت بنفس اسم العمل الروائي غوشيغلغ للكاتبة لوريس شيبزخوفوا.

"غوشيغاغ" من الفولكلور التقليدي الأبازيني، غوشيغاغ هو اسم لفتاة ويترجم بمعنى "من أجبر الأميرة على البكاء ". وهنا البطلة الجميلة شهرت نفسها "بالبكاء" كصفة خاصة بها، المسرحية كتبت على أساس البحث الأبازيني الشهير للكاتبين كالي دجيغوتانوف وقصي باتالوف اللذين لم يشكا بأن غوشيغاغ تمثل نموذج الأميرة الأبازينية أمينات بيبيردوفا، إبنة الأمير شيخ بيبيردوف.

لقد حقق أداء هذه المسرحية نجاحا مذهلا، ومن أسرار هذا النجاح الكبير هو عمل المخرج زوراب كوبسيرغينوف، ودور الممثلة لويزا شيريميتوفا التي تقمصت الشخصية بنجاح، بالإضافة الى نازيرا موكوفا مسؤولة الديكور والأزياء، وطبعاً ألحان فلاديمير تشيكاتويف الفنان القومي في جمهورية قرشاي تشركيسيا والفنان المكرم في جمهورية أبخازيا.

في نهاية العام 2016، قدم المسرح للجمهور عملا ملحميا آخر من أعمال لاريسا شيبزوخوفا - "الصخرة الحمراء أنادزارا". حيث أن أنادزار، هو بحد ذاته يمثل الشخصية اليونانية ( بروميثيوس)، الذي يضيف فوائد لشعبه، ولكنه، يختلف عن النموذج اليوناني القديم، فهو يبقى حيا، و يولد من جديد كنسر أبيض يرمز للشجاعة والحرية.

إذا هذه المسرحية مبنية أيضا على الأساطير، لكنها قدمت بشكل مختلف تماما، إذ قرر الممثل الشاب الواعد والمخرج إلدار أغاتشيف، خريج معهد كراسنودار للثقافة، أن يجرب، المراهنة على الموسيقى والرقص للتعبير عن أحاسيس ومشاعر أبطال المسرحية. كما أن الأزياء المثيرة للاهتمام، و المؤثرات الخاصة غير العادية، والأساليب الحديثة لعرض المواد جعلت الأداء واحد من أكثر الأعمال نجاحا وإثارة للاهتمام في المسرح الأبازيني، وأعطى هذا النجاح ثقة للفريق الذي ركز على العمل الإبداعي الجديد.

وكان أحد الانتصارات الرائعة الأخيرة للمسرح إنتاج مسرحية "بلاد أشويا" التي حازت على الجائزة الرئاسية لقاراتشاي-تشيركيسيا ومبلغ مالي قدره 500 ألف روبل، تم كتابة المسرحية من قبل مدير المسرح عمر كيشماخوف في عام 2016.

وأساس المسرحية مبني على الدراسات الأثرية والعلمية لعلماء مشهورين في إنشاء اللغة المكتوبة خطيا تحديداً من قبل الأشوا القدماء- الأسلاف القدماء للأباظة من أبخاز وأبازين وأوبيخ، كما قال عمر كيشماخوف، وما أكده البحث الذي أجراه العلماء الفرنسيون إدوارد بوليا دورما، وموريس ديونان، والعالم اللغوي النمساوي أنتون إيركو، والعالم الروسي نيكولاي فيسيلوفسكوفا.

عند إعداد المسرحية، تم كذلك استخدام العمل العلمي لغيورغي تورتشانينوف "اكتشاف وفك رموز الكتابة القديمة للقوقاز".

المسرحية أقيمت من قبل الفنان المحترم في جمهورية قبردينو-بلقاريا ماغوميت أتمورزايف و المخرج الرئيسي للمسرح الحكومي البلقاري المسمى تيمناً بـ (كولييف)، وتدور أحداث المسرحية خلال عدة آلاف من السنين قبل الميلاد. أدى بدور الشخصية الرئيسية الملك بتو الممثل الشهير زوراب كوبسيرغينوف، وأدت بدور الملكة غوندا الممثلة المسرحية الشابة ديانا كابلاخوفا. ووفقا للخبراء، تمكن الممثلون من إيصال أجواء عصر المفردات المحددة للغة القديمة، وخلق صور حية للشخصيات الرئيسة والتعبير عن ذلك العصر.

مدير متحمس، و مسرح متماسك

بالحديث عن العمل اليومي للمسرح، عمر كيشماخوف يذكر من جديد العمل "بلاد اشويا": بالإضافة إلى العروض المخطط لها، الآن تجري تدريبات مكثفة لهذه المسرحية.

وكما يقول مدير المسرح : نحن نريد المشاركة في شهر نيسان (بمسرحية "بلاد أشويا") في مهرجان المسرح التقليدي "دائرة الطباشير القوقازية"، الذي سيعقد في جمهورية أديغيا".

وهو حساس جدا لهذه المسرحية، بالنظر إلى أنها المسرحية الرئيسية في عمله، ويحلم بعرضها في المسرح الأبخازي الحكومي، فضلا عن عرضها على جمهور أكبر في روسيا وفي الخارج، في بلدان إقامة مواطنينا.

الناشط الثقافي المكرم في جمهورية قرتشاي- تشركيسيا عمر كيشماخوف هو شخص وقائد متعدد المواهب، ويتميز بالأفكار والمشاريع الجديدة، وفي خططه القريبة اختار تشكيلة أخرى من الشباب الموهوبين للتدريب. مدير المسرح الأبازيني يؤدي على المسرح بنفسه، ولا يزال يكتب الكثير، فمواهبه ليست مقتصرة على المسرح: فهو يقوم بكتابة الأغاني بشكل نشط، و العديد منها أصبح مشهورا في شمال القوقاز وخارجها.

وتابع كيشماخوف "طوال فترة وجود المسرح كانت هناك العديد من الأعمال الناجحة في مختلف الاتجاهات، ولكن بالنسبة لي لن يوجد موضوع أهم من وطني و تاريخه، إن تفرد ووقدم لغتنا وثقافتنا، والاعتزاز بمشاركتنا في تاريخها، ستظل تلهمني لإنتاج الأعمال الجديدة".

أما فيما يتعلق بالمسرح الأبازيني الفتي وليد الفنان كيشماخوف، فإنه يتطور بسرعة ونجاح، ويعتبر اليوم واحد من أكثر المسارح أهمية و شعبية في شمال القوقاز. وتقوم الفرقة بجولة نشطة في مناطق روسيا، وتشارك في المسابقات الوطنية والاتحادية. ويعرض المسرح باللغة الروسية لأشهر كتاب الأدب الروسي والأجنبي ، بما في ذلك القصص الخيالية للمشاهدين الصغار. فقبل بضع سنوات، تمكن فنانو المسرح من تنفيذ مشروع آخر مثير للاهتمام-وهو إنشاء مسرح الدمى، الذي أصبح حدثا مذهلا لأطفال ومراهقي الأبازين.

للأسف في الوقت الحاضر مبنى مسرح الدراما الجمهوري بحالة يرثى لها، وفرقة المسرح الأبازيني، مثل غيره من الفرق الوطنية، تواجه صعوبات مؤقتة، لكني أعتقد بأنهم سيتغلبون عليها قريبا.

الفريق المتماسك والمخلص لعمله-مستمر في البحث عن أفكار إبداعية جديدة. كما أن عمر كيشماخوف مقتنع بأن المسرح كائن حي واحد، وأن الهدف الرئيسي لكل عضو بالفرقة، بالإضافة إلى تطوير الذات، هو الرغبة في أن يبقوا في موضع الاهتمام بالنسبة المشاهد لفترة طويلة، وليقدموا للجماهير ثقافة شعبه الفريدة من نوعها, والغير مكررة. وهذا يعني أن هناك هدفا مشتركا يمكن تحقيقه ببذل جهود مشتركة.