المعارك على الممرات الجبلية لأبخازيا هي واحدة من أكثر الحلقات الدموية للحرب الوطنية العظمى، والتي حددت إلى حد كبير نتيجة معركة القوقاز. وكانت محاولات القوات الألمانية المستمرة للوصول إلى عمق الجمهورية عبثا: فلم يتمكن العدو من احتلال مُدن أبخازيا.
في صيف 1942، بدأت القوات النازية هجوماً على القوقاز، وبحلول خريف العام نفسه، استولت على معظم الكوبان وشمال القوقاز. ووصل القتال إلى الممرات الجبلية لأبخازيا. في المدن بُدأ بناء الدفاعات والملاجئ. وأصبح من الممكن صد الهجوم، ولم يتمكن العدو من الاستيلاء على سوخوم وغودؤوتا وغاغرا، وفي تشرين الأول 1943 طُرد العدو تماماً من منطقة القوقاز.
الكثير من المعلومات القيمة حول المعارك في جبال أبخازيا موجودة في كتاب المؤرخ فلاديمير باتشوليا "أبخازيا في الحرب الوطنية العظمى"، وكذلك في مذكرات مواطن العاصمة سوخوم يفغيني تشيرنيشيف. من مذكراته، وخاصة، تلك التي نعرفها عن ضحايا الغارات الجوية، والدفاع عن القرية الجبلية بسخو، وعن السفن مع الجرحى في ميناء سوخوم.
"كانت تمطر بغزارة في الصباح. شغل والدي الراديو، مع صوت مولوتوف المتأتئ أعلن عن الهجوم الغادر من ألمانيا النازية على الاتحاد السوفياتي. انتشرت الأخبار في الحي. اجتمع حول الراديو البالغين من جميع أنحاء الحي. الرسالة تكررت. البالغون يشعرون بالقلق و يناقشون الأخبار. نحن، الأطفال، لم نفهم الكثير، ولكن قلنا بانفعال بأن قواتنا ستلقن الألمان درساً!"
من كتاب مذكرات يفغيني تشيرنيشيف المقيم في سوخوم
هاجمت قوّات ألمانيا النازية الاتحاد السوفياتي في الصباح الباكر من 22 حزيران عام 1941. وفي نفس اليوم، المجلس الأعلى للاتحاد السوفياتي أعلن عن التعبئة العامة للخدمة العسكرية في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك المنطقة العسكرية في القوقاز والتي تضُم أبخازيا.
في الساعة 11 صباحاً يوم 23 حزيران أُعلن في منطقة غاغرا: أن جميع المواطنين، الخاضعين للتجنيد، تم تكليفهم، ومن ثم تم تجهيز وسائل النقل لإرسالهم إلى سوخوم. وبحلول 27 حزيران، كانت خطة التجنيد في مقاطعة غاغرا قد نفذت بالكامل. كما نظم التجنيد في مناطق أخرى من الجمهورية.
من 4 إلى 19 تموز، مكاتب التجنيد العسكري في أبخازيا تلقت 5974 طلباً للالتحاق الى الجبهة، من ضمنها مُرسلة من قبل الفتيات. وإجمالا، خلال الحرب الوطنية العظمى، تم تجنيد 55.5 ألف مواطن من أبخازيا في صفوف الجيش السوفياتي وفي البحرية. ومن بين هؤلاء، لم يعد 430 17 شخصا من ساحات القتال. وقد منح اثنان وعشرون مواطناً من أبخازيا لقب بطل الاتحاد السوفياتي.
ومنذ 1 تشرين الأول عام 1941، في جميع مدن ومناطق أبخازيا، بدأ جميع الرجال من عمر 16 الى 50 عاما وبدون إنقطاع عن الانتاج بدراسة الشؤون العسكرية.
بدأت كل من جمعية الصليب الأحمر والمؤسسات الصحية الأبخازية بتدريب الكادر الطبي: المدربين في قطاع النظافة والمتطوعين والممرضات.
“
"بدأت إدارة الحي بإعطاء بطاقات تموينية على الخبز والسكر والملح وغيرها من المنتجات. المادة الرئيسية كانت الخبز. وخُصِّص للعامل 800 غرام.، وللموظف 600 غرام، ولربة المنزل 500 غرام، وللطفل 400 غرام. بطاقات الخبز خصصت لمتجرٍ مُحدد. حيث تقوم البائعة بقطع القسيمة لهذا اليوم من كل بطاقة. ومن ثم تلصقها على القوائم من أجل جرد الحساب."
من كتاب مذكرات يفغيني تشيرنيشف من سكان سوخوم
وقام مجلس مدينة سوخوم بتجهيز 22 من الطوابق السفلية و الأقبية كملجأ مضاد للقنابل. وكان من المقرر بناء 11 ملجأ آخر، التي من المفترض أن تحمي سكان المدينة خلال الهجمات الجوية أو الكيميائية.
في أبخازيا، كما هو الحال في جميع حدود الجمهوريات وبعض المناطق الوسطى من الاتحاد السوفياتي، تم تطبيق حالة التأهب الحربية.
"على مكبر الصوت في المدينة يُذيعون آخر الأخبار. كانت الحشود تتجمع للاستماع. سادت في الأيام الأولى من الحرب توقع سريع لهزيمة الفاشية الألمانية، ونقل العمليات العسكرية الى أراضي ألمانيا، ولكن بعد الأخبار الأولى التوّقع تحوّل الى ذعر. النازيون يقصفون المدينة ويستولون على مدننا"
من كتاب مذكرات مواطن سوخوم يفغيني تشيرنيشيف
خطط القيادة الفاشية في البداية لم يدخل فيها الهجوم على منطقة القوقاز. ولكن، عندما فشل الألمان بخطة الحرب السريعة، توجهوا إلى القوقاز.
"تجمّع في المدينة الكثير من اللاجئين. بعضهم استقر حيث يمكن. والباقي ذهبوا إلى الشرق. وقام العديد منهم بزيارة منازلهم تحت القصف، حيث فقدوا أحباءهم ومساكنهم"
من كتاب مذكرات مواطن سوخوم يفغيني تشيرنيشيف
في 23 حزيران عام 1941 تم تحويل المنطقة العسكرية لما وراء القوقاز إلى جبهة عسكرية لما وراء القوقاز. ودخلت قوات الحلفاء الى إيران، حيث منذ بداية الحرب كانت هناك استفزازات ضد الاتحاد السوفيتي. وقد أدى ذلك إلى تهدئة الوضع على الحدود الجنوبية للدولة السوفياتية.
وفي نهاية أيلول عام 1941، بدأ ببناء مرافق دفاعية في أبخازيا، وشارك فيها جميع الذكور القادرين على العمل في الجمهورية. خلال البناء أستخدم بشكل نشط المركبات الأبخازية. الأواردين الأبخازية، والتي قد ثبت أنه لا غنى عنها.
في نوفمبر عام 1941، في قرية بامبورا في غوداؤوتا، بدأت أعماا بناء المطار. وسرعان ما تم نشر مجموعة خاصة من الطائرات عالية السرعة. وشملت مهامها القتال ضد طائرات الاستطلاع الجوية للعدو.
وفي أوائل عام 1942، قامت طائرة "يونكريس-88" مع ثلاثة طيارين ألمان بالاستطلاع، ولكن اضطرت للقيام بهبوط طارئ في منطقة غوداؤوتا. تم البحث عن الطيارين المختبئين لمدة خمسة أيام وفي النهاية تم أخذهم كأسرى. وفي وقت لاحق، وطوال الحرب، أنزل العدو المظليين المخربين على أبخازيا، وبشكل أساسي كانوا من المهاجرين الروس الى الغرب أو من الجنود السوفييت المغسولة أدمغتهم من قبل الألمان.
افترضت القيادة السوفيتية أن الألمان سيحاولون مهاجمة القوقاز من البحر، لذا كانت تستعد بنشاط لصد الهجوم البحري. لكن القوات الرئيسية للغزو كانت القوّات البرية للألمان، وبدأت صورة الخطة للعدو تظهر فقط في نهاية شهر حزيران عام 1942. منذ تلك اللحظة بدأت الإجراءات للدفاع عن الممرات لسلسلة الجبال القوقازية الرئيسية.
في أوائل آب عام 1942، حمت سرايا الدفاع الأولى والثانية ممر كلوخور، وكذلك فصيلة الهاون، وقطعتان من خبراء المتفجرات – ما مجموعه 218 شخص منهم 189 جندي مُجهز ببندقية و 14 جندي مُجهز برشاش و 4 جنود مجهزين بقذائف الهاون، و8 جنود مجهزين بأجهزة الاتصالات اللاسلكية. ولم تنجز سوى الأعمال التحضيرية لتدمير الطريق الرئيسي على المنحدر الشمالي للممر.
وتم تنظيم حماية كل من ممر كلوخور، وخيمسا، و تسيغيركير، وتشاماشخا، ودوي، وجبال الأغوارا، وأختسيرفا، وبيغيرتسخا، ودخزيشرا، وقريتي تشخالتا وزاخاروفكا. لقد كان هناك تقريباً 1890 شخص، و1263 بندقية،و 69 جهاز إتصال لاسلكي، و14 مدفع رشاش، و35 قذيفة هاون، و79 مدفع رشاش، و20 مُدرعة. ومع ذلك، تُركت سانتشارا ودامخورتس دون قوَات دفاع، بالإضافة الى بعض الطرق الهامة الأخرى، التي تمتد من شمال القوقاز وصولاً إلى أبخازيا.
في منتصف آب، قامت القوات الألمانية بشن هجوما على بياتيغورسك، وموزدوك و توابسي في الوقت نفسه مع الهجوم على ممر سلسلة جبال القوقاز الرئيسية. عملية القيادية الألمانية للإستيلاء على القوقاز، كان يطلق عليها شيفرة ''إديلفييس''.
“
"في الميناء جاءت السفن. وتناوبت على المراسي، وأنزل من السفن الأطفال الذين أخلوا من دور الأيتام و المصابين بجروح خطيرة من الجبهة. ونقلوا إلى محطة السكك الحديدية حيث أرسلوا لاحقاً إلى عمق البلاد."
من كتاب مذكرات مواطن سوخوم يفغيني تشيرنيشيف
وكان العدو يتوقع عبور ممرات سانتشارا وكلوخور وماروخ والاستيلاء على سوخوم وغوداؤوتا وغاغرا. في منتصف شهر آب عام 1942، الفرقة الأولى من لواء المدفعية الجبلية الألمانية "إديلفيس" إحتلت ممرات ناخور وكلخور. وخرج الألمان من وراء الجنود السوفيت، حيث التفوا حولهم على الطرق الجبلية. وهكذا، ووفقا لشهادات عديدة، الألمان سيّروا أمامهم قطيع من الأغنام. حيث أن تلك الأغنام، قد سارت على هذا الطريق لعدة مرات، ولا توجد لديها مشكلة في العثور على الطريق الصحيح.
خلال الأيام الخمسة من المعارك في الفترة من 15 إلى 19 أغسطس في المعارك للاستيلاء على ممرات كلوخور و ناخارسكي، فقدت القوات السوفيتية 239 شخصًا و أصيب 34 اخرون وفقد ثلاثة. ومع ذلك، وعلى الرغم من الخسائر الفادحة، تمكنوا من كبح هجوم الألمان. واستمرت المعارك.
"هرع عدة أشخاص إلينا من الشارع للاختباء من الشظايا المتساقطة فوق رؤوسنا. إحدى الجدات خرجت من فناء البيت المجاور وهي تضغط على بطنها، الذي خرجت منه الأحشاء، نظرنا إليها. لكننا لم نستطع المساعدة"
من كتاب مذكرات أحد سكان سوخوم يفغيني تشيرنيشيف
في أغسطس عام 1942، قام الألمان باولى الغارات الجوية على مدينة سوخوم. فاغرقوا سفينة وقارب وبارجة، ثم دمروا رصيف الشاطئ. وقد خلف القصف قتلى وجرحى. ومنذ ذلك الحين، باشرالألمان بشكل ممنهج قصف المدن والقرى الأبخازية من الجو.
في 25 أغسطس، شن الألمان هجومًا على ممر سانشارسكي. تمكنوا من خلاله الاستيلاء على قرية سانتشارا الواقعة على مشارف قرية بسخو. على الرغم من حقيقة أن السكان المحليين كانومسلحين ببنادق صيد فقط، الا انهم نظّموا على عجل خط دفاع، لكن سرعان ما استولى الألمان على القرية بأكملها. ففرّ جزء من السكان إلى الغابة، وأُمر الباقون بتسليم أسلحتهم.
“
تم استدعاءنا أنا وأخي مارتين واثنين من سكان القرية ب. زاخاروف وب. سيميونينكو الى مجلس الرعاة في القرية. تجمع هناك كل من يستطيع حمل السلاح بيده. وضع قادة القرية أمامنا مهمة: اعاقة زحف الألمان حتى حين وصول وحدات الجيش الأحمر. اذ حصل كل شخصين منا على بندقية واحدة و 15 طلقة.
من مذكرات أحد سكان بسخو المذكورة في كتاب أ. بوبروف ''الألغاز في بسخو''
عرف الألمان بشكل جيد الطرق والممرات في جبال أبخازيا.فقبل اندلاع الحرب، قدموا إلى الجمهورية كسواح ودرسوا تضاريسها. ولذ، فعندما دخل الملازم الالماني إلى منزل ألكسندرا شيباكينا من سكان بسخو وقدم لها شوكولاتة قال لها: "من أجل ضيافتك للبطاطا اللذيذة في الماضي، عندما كنا في زيارة لقريتكم".
في 27 أغسطس، غادر الألمان قرية بسخو باتجاه غوداؤوتا. بدؤوا بالنزول إلى قرى اجاندارا و اآتسي، لكنهم لاقوا هزيمة هناك.
وقعت معارك طاحنة على ممر ماروخ. في بداية سبتمبر 1942، اذ شن الجيش السادس والأربعون بقيادة الجنرال كونستانتين ليسيليدزي هجومًا، وتمكن من تحرير قرية بسخو واخراج العدومنها.
وفي النصف الثاني من شهر أكتوبر، سقطت ثلوج كثيرة على ممرات سلسلة القوقاز الرئيسية. وصل عمق الغطاء الثلجي إلى مترين. وبالتالي أصبح من المستحيل متابعة القتال.
في منتصف يناير 1943، بدأت القيادة الألمانية بسحب القوات من ممرات القمم القوقازية الرئيسية حتى لا تكون "في المصيدة وبالاخص بعد الهزيمة التي مني فيها الالمان في محيط ستالينغراد. فجبهة المعارك اصبحت تبتعد عن أبخازيا".
حمل الانتصار في معركة القوقاز أهمية استراتيجية عسكرية وسياسية كبيرة للاتحاد السوفيتي. اذ منع الالمان من الاستيلاء على القوقاز واوقف الزحف الى دول الشرق الأدنى والشرق الأوسط؛ وتمكنوا من المحافظة على المناطق المنتجة للنفط في غروزني وباكو وقواعد أسطول البحر الأسود، وتمكنوا بالتالي من بتر الاتصالات التي كانت تربطهم مع إيران والخليج الفارسي عبر بحر قزوين.
نال لقب بطل الاتحاد السوفيتي كل من: اروتيون جاكريان، نوح آداميا، راجدين بارتسيس، نيكولاي خودوسوف، نيكولاي بيريا، فلاديمير اوجيلينكو، دافيد تافادزة، فيتالي بوبكوف، فلاديمير خرازيا، بوريس غارين، يرفاند غارانيان، نيكولاي ريدكين، ايفان زوبكوف، فارليام غابليا، ياسون كوكوسكيريا، ميليتون كانتاريا، ارتيون ميليتيان، ياروسلاف يوسسيلياني وقنسطنطين غونتار.
المشاركون في الحرب الوطنية العظمى: ميليتون كانتاريا، وأندرونيك مينوسيان وميري أفيدزبا