المؤتمر العالمي للشعب الأبخازي - الأباظة

21 نوفمبر، 2024
17:35
سوخوم في مطلع القرن التاسع عشر والقرن العشرين
مدينة الغروب الاستثنائي والكستناء المُحمص
سوخوم، عاصمة أبخازيا-هي مدينة قديمة يبلغ تاريخها 500 2 سنة. وفي الوقت نفسه، مظهرها المعماري الحديث، والمحبوب جداً من قبل المواطنين، يعود نسبياً – الى بداية القرن التاسع عشر والقرن العشرين.
لقد بدأ تاريخ مدينة سوخوم منذ أكثر من ألفي وخمسمئة عام، عندما نزل أول المستعمرين من مدينة ميليتوس اليونانية القديمة على شاطئ خليج سوخوم. و أسسوا مدينة ميناء "ديوسكوريا" على هذا الموقع. وفي فترات تاريخية مختلفة كانت تحت حكم الرومان، والبيزنطينيين، والجنويين، ولاحقاً الأتراك.
في القرون الأولى من عصرنا، وبسبب سلسلة من الزلازل، ديوسكوريا القديمة كادت أن تغرق تماماً تحت الماء. لكن الحافة الشمالية للمدينة بقيت غير مغمورة . وهناك أعاد الرومان بناء قلعة سيباستوبوليس، حيث استقرت فيالقهم.
كتب المؤرخ أنزور أغوما في كتابه "سوخوم القديمة": "سوخوم مدينة تاريخية. على أراضيها قبل فترة طويلة من أحداث الإستيطان العرقي القديم، كان هناك مستوطنة أبخازية- قديمة على هيئة مدينة أكوا (هذا اسم سوخوم المحفوظ في اللغة الأبخازية إلى هذا اليوم)، التي يعود تاريخها إلى العصور القديمة".
في العصور الوسطى تم تغيير اسم قلعة سيباستوبوليس من قبل الأتراك الى سوخوم-كالي. وحتى يومنا هذا بقيت تسمية المكان الأبخازي القديم – أكوا. وفي السجلات الجورجية القديمة، أشير أيضا إلى مدينة الحصن باسم تسخوم. وفي القرن الثامن أصبح أحد مراكز المملكة الأبخازية. من القرن السادس عشر إلى القرن التاسع عشر، ساحل البحر الأسود والقوقاز كانت جزءاً من منطقة مصالح الإمبراطوريتين – العثمانية و الروسية، اللتان كانتا تشنان حروبا مستمرة في هذه المنطقة.
ومنذ الربع الأخير من القرن الثامن عشر، كانت قلعة سوخوم-كالي مقراً لإقامة أمير أبخازيا كيليشبيا تشاتشبا-شيرفاشيدزي. الذ حلم باستقلال بلده، بل و تمكن من تحقيق حلمه عن طريق التخلص من المحمية التركية. ولكن، في عام 1810، بعد وفاة كيليشبيا، أصبحت أبخازيا جزءا من روسيا، واستولت الحاميات الروسية على قلعة سوخوم.
في الثلاثينات من القرن التاسع عشر، ظهرت مستوطنة صغيرة شرق قلعة سوخوم على طول الشاطئ. حصلت أولا على وضع ميناء تجاري، ثم مدينة الميناء، التي تحمل نفس اسم القلعة.

وكانت سوخوم في ذلك الوقت مدينة صغيرة تهيمن عليها المباني الخشبية. لكنها حتى في تلك الفترة قد أدهشت المسافرين بالنباتات الخصبة، خصوصاً، مزارع الورود وأشجار التوبل.
وفي عام 1866، أصبحت سوخوم المركز الإداري للمنطقة العسكرية، والتي أنشئت لتحل محل الإمارة الأبخازية الملغاة. ثم تطورت المدينة ونمت تدريجياً، ولكن خلال القرن التاسع عشر تعرضت مراراً للدمار.
وقد عانت سوخوم بشكل خاص من الحرب الروسية التركية الأخيرة في الأعوام 1877-1878. حينها قامت القوات التركية بترك المدينة، وأحرقتها عن بكرة أبيها. وأجبر المواطنون الأبخاز بسبب المشاركة في الحرب إلى جانب تركيا إلى مغادرة المنطقة الساحلية، بما في ذلك سوخوم. حيث فرَّ نحو خمسين ألف شخص إلى تركيا. وباتت الكثير من القرى في جميع أنحاء أبخازيا مهجورة، وفرُغت سوخوم وضواحيها من سكانها.
في وقت لاحق من هذه الأحداث، الكاتب أنطون تشيخوف وصف في رسالة إلى صديق عن العاصمة الأبخازية: "اليوم صباحاً أجلس في سوخوم. الطبيعة مذهلة لدرجة الغضب واليأس. كل شيء جديد و رائع وشاعري. أشجار الكينا، وشجيرات الشاي، والسرو، والأرز، وأشجار النخيل، والحمير، والبجع، والجاموس، والطيور، والأهم من ذلك الجبال و الجبال اللا متناهية... أنا جالس الآن على شرفة و الأبخاز في ازياء ماسكاراد التنكرية، وبعد الشارع –هناك متنزه من أشجار الزيتون، والأرز والسرو، وخلف المتنزه البحر الأزرق الداكن ... لو كنت قد عشت في أبخازيا لمدة شهر، أعتقد أنني كنت سأكتب خمسين قصة خيالية مغرية. من كل شجيرة، ومن كل ظل والظلال المتجزئة على الجبال، من البحر ومن السماء تظهر آلاف القصص. أنا وغد لعدم قدرتي على الوصف".

"رسائل أعوام 1875-1890"، انطون بافلوفيتش تشيخوف

منذ الثمانينيات امتلأت الأراضي الأبخازية المهجورة بالمستوطنين. ووفقاً لأول إحصاء روسي أجرى في عام 1897، عاش في سوخوم 7998 شخص، منهم 1685 –روسي، و 1522 –منغرلي، و1083 –إغريقي، و144 –شخص أبخازي. وبالإضافة إلى ذلك، عاش الأتراك والأرمن والتتار والفرس والبولنديين والألمان والإستونيين –بالمجموع أكثر من 20 قومية. وقد انتشرت الجمعيات العرقية، التي تحل مشاكل جماعاتها: فقد بنوا الكنائس والمدارس، وشاركوا في انتخابات مجلس الدوما في المدينة.
وقد أطلق الشاعر أوسيب مانديلشتام على سوخوم بمدينة الحداد والتبغ والزيوت النباتية العطرة. "من هنا يجب أن نبدأ دراسة أبجدية القوقاز - هنا كل كلمة تبدأ "آ"

أوسيب مانديلشتام، "ذكريات. الزمن الصاخب"

وفي مطلع القرن التاسع عشر والقرن العشرين، ظهرت مزارع الحمضيات والتبغ من الدرجة الأولى في أبخازيا، مما أصبح حافزا قويا لتنمية التجارة والاقتصاد بشكل عام.و في عام 1893 عمل في سوخوم نحو 130 مؤسسة تجارية. وهذا أدى إلى ازدهار البناء. وقام أصحاب المشاريع الأثرياء في أواخر القرن التاسع عشر ببناء المحلات والفنادق والفيلات، وزينت واجهاتها بالشرفات وصالات العرض، وفي ساحات القصور شيدت الآبار. وخلال هذه الفترة، حصلت سوخوم على المظهر المعماري الذي لا تزال تفخر به.
وهنا –لوحة لفظية لأبخازيا بقلم كونستانتين باوستوفسكي: "في الحديقة، بالقرب من الغرفة، ينمو الصبار الضخم، والموز والمندرين. ومن خلال النوافذ –البحر (بغروب شمس غير عادي) والجبال الزرقاء الشاهقة "

"نظرة نحو الجنوب"

وتم التخطيط لمدن أبخازيا بروح الحضارة الأوروبية المدنية. في المعنى المعماري، كان يهيمن عليها الفن الجديد، الذي كان قد غزا أوروبا بالفعل في ذلك الوقت. وكانت مواد البناء الرئيسية من الطوب والحجر والأسمنت والحديد. أما الأسطح كانت مغطاة ببلاط مارسيليا الشهير
"رائحة البرتقال ممزوجة برائحة الكستناء المشوي، الأعلام الحمراء ترفرف من الرياح الجنوبية في سلال الحدائق الاستوائية، خيَّالي الأحصنة البرية، يصرخون بشكل جنوني على طول الطرق الحجرية. و الأمطار الدافئة تتساقط في الخارج، ودخان التبغ المحلي العطر يتصاعد من نوافذ المقاهي الدوخان".

كونستانتين باوستوفسكي "نظرة نحو الجنوب"

زار الكاتب كونستانتين باوستوفسكي سوخوم لأول مرة في فبراير عام 1922. وظهرت المدينة له "متنوعة اللغات". وقد تم تسخين المواقد بأصداف الجوز، وكان الطعام في سوق الدوخان مطبوخ بزيت الجوز، كما لاحظ الكاتب. وذكر باوستوفسكي انطباعاته عن المدينة في وقت لاحق في قصة "نظرة نحو الجنوب" وفي مقالة "حيث وجدوا الصوف الذهبي".
ومنذ نهاية القرن التاسع عشر، بدأت سوخوم تتطور ليس كمدينة تجارية وميناء فحسب، بل كملاذ مناخي أيضاً. ففي العام 1898، أقر المؤتمر الروسي للأطباء في موسكو بأنها واحدة من أفضل المنتجعات الصحية لمرضى الرئتين. وفي عام 1902، وبمبادرة من الأستاذ أوستروموف، افتتح مستشفى يضم 35 سريراً في سوخوم، وبنيت المنتجعات في المدينة والمناطق المحيطة بها. وقد أدهشت بروعتها بشكل خاص مصحة الروسي المحسن الشهير الأمير نيكولاي سميتسكي في منطقة غولريبش: أبنية الأربعة الطوابق احتوت المصاعد – الغير عادية و النادرة في ذلك الوقت. منتجع سميتسكي الصحي المعاصر إعترف به كواحد من أفضل المنتجعات في أوروبا في ذلك الوقت.
وفي الفترة 1905-1907، عملت نحو 400 مؤسسة في أبخازيا. وكانت، أولا وقبل كل شيء، ورشات النجارة، بالإضافة الى عدد من معامل الطوب، والمطاحن، و ورشات الحدادة، و معامل الزيوت في سوخوم. واحتلت مصانع إنتاج الزيوت الأساسية، وعدد من مؤسسات البستنة، ومصانع النبيذ والفودكا، ومصنع إنتاج عصير الليمون والمياه المعدنية "أنكارا"مكاناً هاماً.

وكان متوسط رواتب الحرفيين والعمال آنذاك روبلين و 20 كوبيك. وهكذا رطل من الخبز من الصنف الأول يكلف 4,5 كوبيك، ورطل لحم البقر من الدرجة الأولى-17 كوبيك.
كانت الحياة الثقافية في المدينة تكتسب زخما. وفي بداية القرن العشرين في سوخوم، كانت هناك ثلاث مسارح: ألويزي، ومسرح ساموردي، والمسرح الصيفي في حديقة ألكسندر. ونشرت الصحف مثل "كولخيدا" و "سوخومسكي ليستوك" و "سوخومسكي فيستنيك".

في عام 1912 ثلاثة عشر مدرسة كانت تعمل في المدينة، بما في ذلك الروسية، واليونانية، والأرمينية، واليهودية، والجبلية، حيث درس فيها في معظم الأطفال الأبخاز، بالإضافة الى المدارس التي تنشر الثقافة الجورجية.
ويرد وصف سوخوم في بداية القرن العشرين عند الكاتبة عادلة عباس-أوغلي في كتاب السيرة الذاتية "لا أستطيع النسيان". وكانت المدينة التجارية والمنتجعات موطناً لممثلي مختلف الجنسيات. على جبل تشيرنيافسك (جبل في مدينة سوخوم، التسمية الأبخازية –سامااتا-رخو) كانت قصور الأثرياء من موسكو وبيترسبورغ، الذين كانوا يحضرون إلى سوخوم للإجازة. وفي الشارع الرئيسي للمدينة، غيورغيفسكي (الآن جادة آيايرا) عاش بالأغلب اليونانيين — وهم أكثر رجال الأعمال عددا ونجاحا في سوخوم.
"هنا على الرصيف تمايلت على الأمواج الكثير من القوارب، التي يقودها عشاق البحر بعيداً في البحر. وعلى المقاعد المتواجدة على طول الواجهة البحرية، أحب الأزواج المسنين الاسترخاء واستنشاق هواء البحر الشافي ومشاهدة المرافقة العامة " –بقلم عادلة عباس-أوغلي.
وقد انتشرت في المدينة مقاهي الشاي والقهوة و صالات البلياردو. وكان الرجال يلعبون الطاولة. الإيرانيون كانوا يعملون في مقاهي الشاي، أما اليونانيون و الأتراك و الأرمن كانوا يعملون في مقاهي القهوة. على الأرصفة تحت المظلات كانت الطاولات، الباعة عرضوا الآيس كريم، والحلويات الشرقية، والفواكه، والمشروبات الغازية المنعشة. وكان هناك أيضاً الكباب المشوي، والكستناء والبندق.
"أحذية الخروج كانت بالضرورة لامعة وجلدية. الرجال ارتدوا القبعات الشعرية، والنساء القبعات الضيقة، والبعض ارتدوا القبعات ذات الأقمشة الشفافة المتدلية على الوجه. في أمسيات الشتاء الباردة، كان سكان البلدة يتجمعون في منازل بعضهم البعض، ويلعب الرجال لعبة الزهر، والشطرنج، والدومينو والبطاقات. تحدثنا كثيراً، وتذكرنا الأيام الجميلة، وشاركنا انطباعاتنا عن العروض والكتب. نحن الأطفال استمعنا للأحاديث بندهاش، كانت القهوة متواجدة دائماًعلى الطاولة، بالإضافة الى الحلويات، والفاكهة، والبندق"

عادلة عباس-أوغلي "لا أستطيع النسيان"
على طول نهر باسلا، الذي قسم المدينة إلى اليمين واليسار، نمت أشجار الصفصاف الباكية، وتم تحديد مواقع محطات القوارب. وكان النهر غنيا بالأسماك، ويمكن رؤية الصيادين في أي وقت من السنة. وعلى ضفاف نهر باسلا تواجدت المحلات التجارية وسوق صغير. هذه المنطقة، كما هي حتى يومنا هذا، كانت تسمى الجسر الأحمر-لون الجسر الذي يربط جزأي المدينة. كما تواجدت هنا أيضاً المخابز، ومقاهي الشاي، ومقاهي القهوة، والدوخان.
ونمت المدينة وتطورت، وأصبحت نتيجة تطورها وسطاً بيئياً مريحاً ونشطاً و متكاملاً للمعيشة. وظلت سوخوم حتى الثلاثينات من القرن الماضي مدينة تجارية ومنتجع متعدد الجنسيات، وكانت مرتبطة بالتبغ الباهظ الثمن والشوارع والكستناء المشوي.
كاتب النص - أستيستا أردزينبا، محرر الصور - نالا أفيدزبا ، المحرر - أولغا سولداتنكوفا ، رئيسة التحرير - أمينة لازبا