تحتفل فنانة الشعب في أبخازيا، "ملكة الرقص الأبخازي" المشهورة، مايا غيرزمافا، بعيد ميلادها الـ 70

أريفا كاببا

وسط هذا الجمال المذهل لقرية دوريبش، وهذه الاسرة التي تعيش على سفحه، وموسيقى الالحان التي كانت تدخل اسماعهم كل يوم، في هذه الظروف، ولدت الطفلة مايا غيرزمافا في 22 ديسمبر 1949، فنانة المستقبل وملكة الرقص الشعبي الابخازي. كانت واحدة من الأطفال السبعة في العائلة. كان والدهم، جوات غيرزمافا، الذي غنى في جوقة المعمرين "نارتا"، الأم، فيرا أنقواب، كانت تتقن فن الرقص بشكل حلو و رشيق.

"هيا بنا الى الرقص"

تتذكر مايا غيرزمافا، أن الاولاد في الأسرة نشؤوا في هذا الجو من الرقص.

"فمنذ الطفولة، عشنا مع الغناء والرقص والمرح، كان لدينا دائمًا منزل مليء بالضيوف الذين أحبوا أيضًا الغناء والرقص، وبالتالي فإن حب الموسيقى جاءني من عائلتي المولعة بالموسيقى" – هذا ما تقوله الفنانة، وتروي لنا، كيف أن أحد إخوتها واسمه ليفارس غيرزمافا(والد فنانة الشعب لأبخازيا وروسيا، هيبلا غيرزمافا - ملاحظة المحرر).

"أحب الرقص وبالاخص الرقصات الأبخازية"، وفي كثير من الأحيان، عندما كانوا يدعوه إلى حفلات الزفاف، كان يصطحب أخته معه مكررا عبارته المعروفة "هيا بنا إلى الرقص".

وتتذكر غيرزمافا انه بعد تخرجها من المدرسة في قريتها الأم، بدأت بالتفكير للانضمام إلى فرقة الدولة للغناء والرقص الشعبي في أبخازيا. "غنت أختي وصهري في الفرقة، وغالبا ما كنت احضر عروضهم وحفلاتهم". 

 أحببت حقًا أن أراقب رقصات الفتيات، ومعظمهن كانوا من الجورجيات، و بينهن كانت فتاة أبخازية واحدة، راقصة فريدة من نوعها وهي سوزانا جينيا. كنت انظر إليها معجبة لحركاتها الجميلة، وكنت احلم بالانضمام إلى هذه الفرقة. "وأظهرت مثابرة خاصة لتحقيق أحلامي. 

كفتاة، انتقلت اولا للعيش مع أختي في سوخوم، وحصلت فيما بعد على وظيفة في مدرسة الرقص، ولاقيت في وقت لاحق مشجعين لي في الفرقة. لقد كانت شروط القبول غريبة بعض الشئ: اذ كان على الفنانين ومصممي الرقصات أن ينظروا إلى الفتاة ويقولوا إن كان من الممكن ضمها إلى الفرقة ام لا.

" نظروا إلي و قالوا: حسنًا، الطول موجود، والجمال موجود، واحساسها بالإيقاع ملحوظ، والسمع طبيعي أيضًا. ثم قالوا: الفتاة مقبولة. لا يمكنكم أن تتخيلوا بماذا شعرت في ذلك الوقت، فقد كان أسعد يوم في حياتي! في ذلك اليوم لم امش على رجلي بل كنت اطير من شدة الفرح "- شاركتنا الفنانة شعورها. 

وهكذا، وقبل بلوغ سن السادسة عشر، انضمت مايا غيرزمافا الى فرقة الدولة للرقص الشعبي في أبخازيا. لكن قبل أن تصبح عضوًا كامل العضوية في الفرقة، كان لابد من حصولها على لقب عازفة منفردة ايضا. ومهما حاولنا، فقد كان كسب الرضا لدى الزملاء، مسالة بعيدة المنال. 

" اصرفوها، فهي لن تصبح راقصة أبداً"  

لم يكن طريق "ملكة الرقص الأبخازي" مغطى بالورود أو مفروشاً بسجادة حمراء. بل كان هناك العديد من العقبات.

في فرقة الرقص الحكومية في تلك الفترة، عندما إلتحقت مايا غيرزمافا بها، عمل هناك بشكل رئيسي الجورجيات. وبناءاً على ذكريات الفنانة إن ظهور فتاة أبخازية شابة و جميلة، لم يسعدهم على الإطلاق.

وتتذكر غيرزمافا أنها لم تنل من أي منهم المساعدة أوالدعم. بالإضافة الى ذلك، في كثير من الأحيان قد سمعت عبارة   "اصرفوها، فهي لن تصبح راقصة أبداً". مايا، على الرغم من أنها حاولت عدم إظهار قلقها الكبير، لكنها كانت عندما تعود إلى المنزل، تبكي. لكن فكرة ترك الرقص لم تخطر ببالها. علاوة على ذلك، هذه المقاومة من زميلاتها الجورجيات كانت مجرد "تحفيز" لها، وفي احد الأيام قررت وبحزم أنه: "أنا أريد و يجب أن أكون راقصة، فأنا أستطيع أن أفعل أي شيء".

وحولت حلمها الضخم بالرقص إلى مهمة ووضعت خطة عمل واضحة جداً لأجل ذلك. وعندما فهمت أنه قبل كل شيء من الضروري أن تتقن المهارات، بدأت غيرزمافا تتدرب مع أفضل المعلمين. وعمِلت معها مصممة رقصات فرقة الرقص فازيلبي كوروا. وفي نفس الوقت، ذهبت إلى معلمي قسم تصميم الرقصات في مدرسة التعليم الثقافي. ولكن معلم الرقص الرئيسي، بناءاً على اعتراف مايا دجغواتوفني، كان مصمم الرقص الجورجي غيفي فاشاكيدزه. "كان صارماً جداً" –كما تتذكرغيرزمافا. –لا يمكنك الوقوف أمامي، ومن أفضل أن أتخلى عن هذه الفكرة. لكنني أقنعته أن يأخذني كمتدربة".

الراقص الأخرس وجسده الناطق 

خصوصية وأسلوب تدريس فاشاكيدزي كانت بأنه لم يكن يُظهر كيفية أداء بعض عناصر الرقص، ولكن يطلب من الطلاب الاستماع إلى الموسيقى و كل الحركات ستظهر من أعماق وجدانهم. كان يردد: "عليك أن تشعر بكل الحركات داخلياً. لا أريدك أن تتعلم حركات اليد عن ظهر قلب، الأيدي يجب أن "تتكلم". وبدراسته لرقصات الشعوب، أجبرني على قراءة الكتب لفهم أي نوع من الناس هم، وما نوع الشخصية لديهم" –كما تتحدث مايا غيرزمافا عن معلمها.

وبفضل هذه الدروس على وجه التحديد قد فهمتُ: أن الراقص نفسه على خشبة المسرح – "أخرس"، ولكن الراقص الجيد يجب أن يحرك كل أجزاء جسمه، ويجب على جسده " أن يتحدث مع المشاهد".

"بدون كلمات، فقط بواسطة المرونة يجب أن تنقل إلى المشاهد صورة شخصيتك على المسرح. هذا مهم جداً وصعب جداً. في المسرح يمكنك التحدث، ولكن في الرقص كل شيء بدون كلمات. وإذا لفتَّ انتباه المشاهدين، فإنك قد حققت إنجازاً" –كما أشارت غيرزمافا. 

المعلم الجيد لم يكن "الورقة الرابحة" الوحيدة بالنسبة للراقصة الجديدة، حليفها الرئيسي كانت الشخصية. ولأيام وليالي قد شحذت مهاراتها في البيت وفي صالة التدريب، عملت إلى درجة الإرهاق، مارست الحركات والجاذبية في الرقص. وهذا كله، بطبيعة الحال، أعطى نتائجه: وبعد فترة قصيرة جداً أظهرت مايا لزملائها في الفرقة، أنها تستطيع أن الرقص.

وفي وقت لاحق، عندما غيرت فرقة الرقص الحكومية سياسة الموظفين، وأحضرت المزيد والمزيد من الفتيات الأبخازيات، أصبحت مايا الراقصة الرئيسية المنفردة في الفرقة. وذلك ما حدث في المهرجان التالي، الذي ظهرت فيه الفرقة، وقامت غيرزمافا بأداء منفرد، وتواجد في القاعة العديد من الراقصين السابقين في الفرقة. وهنا بعد ظهور احداهم، وهي أيضا راقصة منفردة، التي اقتربت مني واعترفت لي فجأة: "أتعلمين، مايا، إذا قالوا لي، أن الجبال والبحار قد غيرت فجأة أماكنها، كنت سأصدق ذلك، ولكن اذا قالوا لي أن، أن لديك أيدي مرنة، لم أكن سأصدق ذلك أبداً. لكن اليوم رأيت ذلك بأم عيني، أنت ممتازة!"

كتف الشريك   

عملت مايا غيرزمافا في الفرقة الحكومية للأغاني والرقص في أبخازيا لمدة 37 عاماً. وبحب كبير، تتذكر شركاءها في الرقص. وخلال تذكرهم، تعود إلى بداية مهنتها وتخبرنا كيف في إحدى المرات، عندما كانت لا تزال صغيرة جداً وراقصة طموحة، وعهد إليها بأداء منفرد. كان هذا نوعاً من الامتحان، بالإضافة، كما كانت تظن مايا دجوغواتوفنا نفسها، أنه كان المتوقع أن تفشل، وفي هذه الحالة يجب أن تترك الفريق. ثم حضر للمساعدة شقيق معلمها، الذي رقص أيضاً في الفرقة –أيفينغو فاشاكيدزي.

وتتذكر الفنانة بامتنان كبير قائلة: "إقترب مني وقال: "لا تخافي، شاهديني وسيري حيث أنا أسير، وقومي بالحركات التي تعرفيها. أنا و أنت سنرتقي إلى مستوى هذه القطعة المنفردة. لقد ساعدني كثيراً حينها".

وهكذا فهمت مايا للمرة الأولى ما يعنيه كتف شريك خبير. وفي المستقبل، أشرقت على خشبة المسرح مع أفضل الراقصين مثل فلاديمير كفارتشيّا، كانديد و أرفيلود تاربا،و روسلان تشاماغوا، و رؤوف داسانيّا، و فيانور تاربا، و أكاكي ماليا، و فلاديمير غوبليا وغيرهم الكثير.  كما أنها كانت مدربة لأحد الراقصين.

كان ذلك كما يلي. إنضم فاليري تانيا إلى الفرقة، وتم تسجيله على الفور في المجموعة التي "تقوم بالحركات الصعبة"، كان يرقص بشكل بارع، لكنه لم يستطع الرقص مع شريكة على الإطلاق. وتتابع غيرزمافا قائلة: "كان راقصاً بارعاً، لكنه منفرد. أخبرني أنه لم يعمل أبدا مع شريكة. لذا دربته لمدة عام. تدربنا على الرقص وعلى شراكتنا. ونتيجة لذلك، رقصنا معاً رقصة "نارتا" والرقصة الأوسيتية، وقال للجميع مراراً: مايا علمتني ما يعنيه أن أكون شريكا ".

بين كل اللوحات الراقصة التي مايا غيرزمافا أدتها على المسرح، سلطت الضوء على "رقصة نارتا"، التي لعبت فيها دور الأم ل 100 من الإخوة النارتيين ساتاني-غواشا. "ستاني -غواشا وفقا للأسطورة أضاءت الجبال و البحر، وانا قمت بأداء رقصة هذه الأميرة، وهذا شيء مقدس بالنسبة لي، ما زلت أتذكر ذلك –ويقشعر بدني" –كما تروي الفنانة.

قصص من جولات الفرقة   

قامت مايا غيرزمافا، بالاشتراك مع مجموعة، بجولة في بلدان مختلفة: فرنسا وتشيكوسلوفاكيا وألمانيا الشرقية والأرجنتين وبلدان أفريقيا.

وتذكرت على وجه الخصوص رحلتها إلى بولندا. تم الترحيب بهم هناك مع لافتة مكتوب عليها "مرحباً بكم، الفرقة الجورجية للأغاني والرقص الأبخازي!".

وتقول غيرزمافا: "عندما شاهد ذلك رئيس الوفد الخاص بنا وزير الثقافة أليكسي أرغون. أصبح مستاءاً جداً، فقام بترتيب مؤتمر صحفي أوضح فيه أن الفريق الذي حضر إليهم لم يكن "جورجياً"، ولكن أبخازي، وتحدث عن جمهوريتنا، وعن ثقافتنا و وأدبنا. وعندما وصلنا إلى هناك في العام التالي، كتبت الصحافة المحلية عنا كفنانين من أبخازيا".

أثناء هذه الرحلة كان هناك أداء في مدينة سوبوت البولندية التي تتذكرها مايا أيضاً والذي يتخلله أداء الرقص مع الخناجر، الذي يقوم به زوجها، الراقص في المجموعة روسلان تشاماغوا، وعن غير قصد غرز الخنجر بقدمه دون قصد، ولكن قام بسحبه بخفة من الجرح الذي ينزف، وتابع الرقص. وهذا ما أسعد الجمهور المحلي، وفي اليوم الثاني، نشرت الصحف البولندية عناوين رئيسية بعنوان "الشياطين الأبخازية على مسرح سوبوت".

الراقص على المسرح يجب أن يتحمل الكثير، في أغلب الأحيان، لكي لايرى أحد ذلك ولا يلاحظه. وفي هذا الصدد، الفنانة تتذكر حالة أخرى، وهي أيضاً أثناء الجولة: راقص آخر في الفرقة، رؤوف داسانيّا، الذي أدى الرقصة الأوسيتية على أصابعه، و لم يعلم أحد أنه كان يقاوم الألم الجهنمي من الدمامل. فتشاركنا غرزمافا قائلة: "ذهب أشخاص محددين في الجولة، ولم يكن لدينا بدائل، وبالتالي كان علينا أن نظهر على خشبة المسرح، بغض النظر عما حدث، وبغض النظر عن ما يضرنا. لقد شعرنا بمسؤولية كبيرة لأننا، أولا وقبل كل شيء، مثلنا ثقافة أبخازيا وشعبنا. لذلك، لم يكن علينا خذلهم".

"الطيران أثناء الرقص"   

تَعتبر مايا غيرزمافا نفسها امرأة سعيدة للغاية، والتي نجحت في كل من المهنة والأسرة. الشيء الوحيد الذي يؤذي قلبها هو أن زوجها وصديقها المقرب روسلان تشاماغوا توفي في وقت مبكر جداً. ولكن مايا سعيدة اليوم بحقيقة أن لديها أبناء ناضجين: الابنة ماكا والابن ميراب. وهي أيضا جدة لأربعة أحفاد.

ووفقاً لغيرزمافا، انها كانت ستفعل الكثير كمعلمة، لتدريب الراقصين الجدد للفرقة. ولكنها لم تتمكن من المشاركة عن كثب في هذا النشاط، وهي تعتبر إمكانياتها في هذا المجال غير مكتملة. لكن الفنانة كانت قادرة على الاستمتاع تماماً بالرقص نفسه وبتلك المشاعر، التي تهديها خشبة المسرح لبعض المفضلين لديها.

وتختتم غيرزمافا قائلة: المسرح بالنسبة لي، هو أهم شيء في حياتي ! واهميته قد فاقت حياتي الخاصة. انه كمثابة كوكب آخر وحياة ثانية. تحسب نفسك محلقا في الاعالي عند اداء الرقصات، التي طلبها منك مصمم الرقصات، وفي هذه اللحظات، فان مايا لم تعد مايا التي نعرفها، بل انقلبت الى بطلة، وعليها بالتالي ان تعرف الجمهور على شخصيتها الجديدة. هذا الاداء بحد ذاته، يعتبر سعادة بالنسبة لي. فالمسرح - هو كنز سعادتي".  

هذه الكلمات كافية لمنحها لقب "ملكة الرقص الأبخازي" المعروفة عالميا.

عيد ميلاد سعيد يا مايا غيرزمافا! نتمنى لك ولعائلتك السعادة الدائمة والعمر المديد !