منذ عامين مضت، لم يكن لدى أعضاء فرقة "ابخارتسا" أي ادوات موسيقية ولم يعرفون سلم النوطة الموسيقية - وفي الوقت نفسه، ما لبث أن تم إنشاء الفريق حديثًا حتى باشر بالحصول على الجوائز في المهرجانات. وقد قامت مراسلة موقع المؤتمر العالمي لشعب الاباظة باكتشاف كيف اصبح ذلك ممكنًا.

آستا آردزينبا

تأسست فرقة الآلات الشعبية "ابخارتسا" التابعة لمركز الثقافة والترفيه في بلدية ناحية الأباظة في قراتشاي – شركيسيا في يناير/ تشرين الثاني عام 2017. ويضم الفريق موظفين من قسم الثقافة في إدارة المقاطعة وسكان قرية إينجيتش- تشوكون، وكان شخصان فقط من أعضاء الفرقة لديهم تعليم موسيقي، أما معظمهم لا يعرفون السلم الموسيقي. حتى أن رئيس الفرقة لم يحصل على تعليم موسيقي خاص بعد، ولكن كل هذا لم يصبح عقبة أمام حقيقة أنه بعد تشكيل الفريق مباشرة، بدأ يفوز بالمرتبة الأولى في المهرجانات على الصعيدين الوطني والدولي.

الحلم الموسيقي

قرية إينجيتش- تشوكون هي المركز الإداري لمقاطعة الأباظة، وقد كانت دائماً مشهورة بتقاليدها الموسيقية والمسرحية. ويوجد فيها جوقة تراثية خاصة من كبار السن، ومسرح الدمى، وفرقة رقص الأطفال. والآن، بفضل المساعدة والدعم المالي من المنظمة الشعبية "ألاشارا"، هناك أيضاً أوركسترا للألات الشعبية.

هذا ويرى سكان قرية إينجيتش-تشوكون وقرى الأباظة الأخرى التابعة لجمهورية قراتشاي تشيركيسيا أنه لا ينبغي الحفاظ على التقاليد الموسيقية لشعب الأباظة فحسب، بل ويجب أيضاً تطويرها، وقالت زيمفيرا مورتازوفا رئيسة قسم التعليم والثقافة في إدارة ناحية الأباظة أن إنشاء فرقة الألات الشعبية كان حلم قديم لجميع أبناء شعب الأباظة في جمهورية قراتشاي-تشيركيسيا. وقدمت إدارة البلدية مشروعا والذي حصل على موافقة ومنحة من منظمة "ألاشارا"، واستخدمت هذه الأموال لشراء الآلات الموسيقية.  

وقالت مورتازوفا: "إننا جميعا ندرك أن الألحان الوطنية ينبغي الحفاظ عليها ونقلها إلى الأجيال القادمة. وإذا لم يتم إحياؤها الآن، فستختفي كلها، وبعد أجيال لن يعرفها أحد ولن يتم تذكر ما كان لدى شعبنا من ألحان وأغاني. و الأبازين لديه ثقافة موسيقية غنية جدا".   

وتعقد تدريبات الأوركسترا ثلاث مرات في الأسبوع في قاعة الحفلات في إدارة مقاطعة الأبازين. ويشمل نمط الفرقة الإيقاعات الأبازينية، والأبخازية، والشركسية القديمة.

عندما يكون المدير - نارت

نارت شوج، ذو الـ 30 عاماً. وهو أصغر عضو في الفريق، ولكنه في الوقت نفسه يعتبر أهم شخصية، هو المدير الفني لفرقة "ابخارتسا". علاوة على ذلك، كل آلات الأوركسترا هي من تصنيعه.

لقد ولد وترعرع نارت شوج في مدينة حلب السورية تلك التي كانت تعاني من الحرب لسنوات عديدة. وقبل خمس سنوات، انتقل الشاب إلى موطن أجداده في أديغيا. ولم يكن ذلك هرباً من القتال، بل كان العودة إلى الوطن – الذي هو حلم الحياة.

ومستعيدا ذكياته، يقول نارت: "لقد كنت أعمل منذ أن كان عمري 12 عاماً وغيرت العديد من المهن. كتصنيع الأثاث، وكنت مصوراَ، ولحاما كهربائيا، وعملت في وكالة إعلانات. وخلال حياتي قمت بتجميع النقود من أجل العودة. وفي النهاية، تم جمع المبلغ اللازم، وجئت إلى مايكوب للمرة الأولى".

منذ الطفولة المبكرة كان نارت طفلاً موسيقياً. الجميع يعرف عنه ذلك وجلبوا له مجموعة متنوعة من الآلات الموسيقية كهدية. نارت لم يتعلم العزف عليها بمفرده فقط، بل اكتشف أيضاً كيفية تصنيعها. بعد المدرسة، كان يعود إلى البيت مسرعاً ليعزف، فيتجمع الجيران في شققهم وحتى يدعون الضيوف من أجل "الاستماع من راء الجدار إلى ذلك الجار الذي على وشك أن يبدأ بالعزف". وما يثير الدهشة أكثر أن والدَي نارت لا يرتبطان بالموسيقى بأي شكل من الأشكال، ولم يكن أحد في الأسرة مولعاً بالعزف على الآلات.

وأشار نارت أيضاً: "إن الثقافة الموسيقية في سوريا غير متطورة. لم أذهب أبدا إلى مدرسة موسيقى. ولكن هنا في روسيا، بدأت الحصول على تعليم خاص".

وفي أديغيا، نارت لفت انتباه الرسّام المعروف والمحترف بتصنيع الآلات الشعبية الشركسية في القوقاز زامودين غوتشيف. الذي دعا الشاب إلى منزله وعلَّمه كل ما يعلمه. لقد رأيت عمل نارت على الفيس بوك وأردت مقابلته. فأصبح هذا الرجل المعلم الرئيسي في حياة الموسيقي الشاب.

"تفاهمنا على الفور" –كما يتذكر نارت، "لأنه لم يحاول تقييدي كونه أكبر مني سناً، ولكن بقي بسيطاً. وهذا ما حررني".

علَّم زامودين نارت أن: "الأداة –هي صديق، وأخ، وأم، وهي أداة لمساعدتك في الفرح والحزن".  

"عندها وببساطة أرميه في الموقد"

خلال فترة قصيرة وصل الطالب إلى مستوى عالي من المهارة. بدأ نارت يتلقى الحجوزات من مناطق مختلفة من العالم. وصنَّع الآلات لممثلي الجالية الشركسية والأبخازية، ولمجمعي الأدوات الشعبية، ولمجموعات شعبية مختلفة. وحسَّن من جودة منتجاته، ولعدة أشهر طوَّر عمله.

"أحيانا تكون الآلة مثالية في الشكل، ناعمة، جميلة، لكن الصوت سيء. فأرميها في الموقد. يمكن أن أعمل على تصنيع هذه الأداة لثلاثة شهور، لكن إذا لم تصدر الصوت المطلوب، لن يكون الإبقاء عليها أمراً منطقياً. هناك العديد من الأسرار في عملنا، التي علمني إياها معلمي والتي تعلمها من معلمه. و هي أسرار الحرفيين من مئات السنين. على سبيل المثال، الأوتار على هذا الأبابشيني (أداة شركسية وترية–إضافة المحرر) من شعر الحصان. وبالنسبة للحرفيين القدامى، كان من المهم كم عمر هذا الحصان، وما كان لونه، وأين نشأ، وكيف تغذى –كل هذا هو مهم. فالأوتار من شعر الحصان الصغير والكبير في السن تصدر أصواتاً مختلفة" كما تحدث الموسيقي.   

انتقل نارت من مايكوب إلى تشيركيسك وسجّل في المعهد العالي للموسيقى ، وفي امتحان القبول، عندما عزف عدة مقطوعات، اندهش أعضاء اللجنة وتساءلوا عما إذا كان يخطط بالضبط للتسجيل أو حضر من أجل العمل. وسرعان ما تزوج الشاب وافتتح الاستوديو الخاص به، حيث يستمر في تصنيع الآلات الموسيقية الشركسية والأبازينية. ومما يؤكد سمعة هذا الشاب المدهشة والخارقة أنه بعد انتقاله مباشرة من سوريا، لم يكن يعرف الروسية على الإطلاق وتعلمها بمفرده... في السوق.

"كنت اراود المجئ الى السوق المحلية كل صباح، و أقف عند تقاطع شارع ما وانصت واستمع. سمعت احاديث الناس، سمعت مشاجراتهم، حواراتهم، سمعت قصصا عن أنفسهم. تابعت عن كثب ردود الافعال والإيماءات وتعابير الوجوه واصغيت إلى اللغة. لقد تعلمت الروسية عن طريق السمع" يقول نارت متحدثا عن ذكرياته.

الحرفيون المهرة اليوم - قلائل جدا. لذلك، فليس من المستغرب أن إدارة ناحية الأباظة، في النهاية، التجأت إلى نارت مع اقتراح لتصنيع الآلات الموسيقية وتراس قيادة الفرقة الجديدة للفنون الشعبية. بالطبع وافق نارت على الفور وبدون تردد.

"وقال نارت في هذا الصدد: " لقد حلمت بهذا طوال حياتي. في سوريا، حلمت لمرات عديدة، أنني اقف على خشبة المسرح.

الموسيقى كالدواء

تلقت الفرقة في إنجيتش تشوكون اسمها من اسم آلة موسيقية أبخازية وأبازينية قديمة. الة الأبخارتسا - عبارة عن آلة موسيقية وترية، عزفت عليها في الماضي الأغاني التاريخية والبطولية. في الأيام الخوالي، كان لدى كل مفرزة عسكرية فرقة موسيقية يعزفون على الابحارتسا. كانوا يتقدمون القوات. ومن هنا جاء اسم الأداة التي تترجم حرفيًا إلى " التشجيع للمضي قدمًا". كان أسلاف الأبخاز والأبازيين يعتقدون أيضًا أن موسيقى أبخارتسا بلسم للجروح، والاغاني هي علاج المرضى. اليوم، وفي عصر التقنيات المتقدمة، لا تستخدم الابخارتسا في الطب. لكن ان نقول ان الموسيقى تشفي، فلا احد يمكنه انكار ذلك.

تنوع الآلات الموسيقية لدى شعب الاباظة، كان قد تم الكشف عنها من قبل المصادر المكتوبة من القرن 19. آلات الاباظة الموسيقية القديمة هي، أولاً وقبل كل شيء الة "ميشاقفابيز" - وهي أداة موسيقية شبيهة بالبالالايكا الروسية، وكذلك اداة "ابخارتسا" - يشبه الكمان ذو الوترين، واداة آندو - أداة مثل القيثارة، "كإيجكإيج" – وهو مزمار مصنوع من سبطانة البندقية، و كذلك اداة "بحارتشاق" - خشخيشات خشبية. وتعتبر"الزورنا" هي أقدم الآلات الموسيقية لدى شعب الأباظة - وهي المزماروالناي ويطلق عليه مصطلح بلغة الاباظة "اتساربينا".

ضمن مجموعة الآلات لدى الفرقة في إنجيتش تشوكون أيضًا، توجد ادوات موسيقية شعبية شركسية المصدر: اداة "ابابشينا" تشبه البالاليكا الروسية، وأداة اخرى تعمل بالضغط على لوحة المفاتيح "أديغة بشينا" أو، كما يطلق عليها، الأكورديون الشركسي.

الحفاظ على كل ما هو ثمين

الثقافة الموسيقية لشعب الأباظة تم تناقلها واستنباطها على مر القرون. تتحدث الأغاني الشعبية عن امجاد وأفكار وتطلعات الناس خلال القرون الماضية. جميع الأغاني الشعبية يمكن تصنيفها حسب النوع. هنا، أغاني الطقوس، والاغاني والرقصات الجماعية المستديرة، والأغاني الملحمية، و الغنائية، والكوميدية، والتاريخية البطولية، والرثاء ايضا. هذه الأغاني انتقلت سماعيا و نجت حتى يومنا هذا. جرت المحاولات الأولى لتدوين هذه الألحان على الورق مؤخرًا نسبيًا، في العهد السوفيتي.

في منازل شعب الأباظة اليوم، لم يعد بإمكانك أن تجد الآلات الموسيقية الشعبية، ولكن، كما كان الحال منذ مئات السنين، لا يمكن لاي مناسبة ان تنجلي دون سماع الموسيقى التقليدية الشعبية. وبالتالي، فان العازفين والموسيقيين الضيوف لهم مكانتهم الرفيعة في أي منزل. إن عزف الموسيقى والالحان الشعبية، وحتى صنع الآلات الموسيقية الوطنية - هو فن معقد للغاية. ويرى الاهالي في قرية انجيتش - تشوكون، انه يجب علينا ألا ننسى هذا الموروث. وبالتالي، ففي كثير من الأحيان، تراهم يفتتحون دورات موسيقىة للأطفال. ليس لحفظها فحسب، بل أيضا لنقلها إلى جيل الشباب - هذه العقيدة اصبحت راسخة لدى المشاركين في فرقة العزف الشعبية أباظة "ابخارتسا".