تنشر بوابة المعلومات التابعة للمؤتمر العالمي للشعب الأبخازي-الأباظة مقالاً عن تاريخ فرقة الرقص الشعبي الأسطورية "قوقاز"، والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بحياة مؤسسها كانديد تاربا. فالعام 2019 اصبح اصبح ذكرى سنوية لفرقة "قوقاز" و كذلك لكانديد نفسه الذي غادر الحياة مؤخرا.
سعيد برغانجيا
في الثالث عشر من آيار كان سيبلغ من العمر 75 عاماً، مؤسس فرقة الرقص الشعبي "قوقاز"، وفنان الشعب في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية كانديد تاربا. ومن الجدير بالذكر أن فرقة "قوقاز" هذه السنة، التي أصبحت مشرقة وأسطورية، تحتفل بالذكرى الخامسة والعشرين لها.
الموهبة التي من الصعب تجاهلها
في عام 2014، تم نشر كتاب "الرقص كالحياة" من قبل الصحفية الأبخازية الشهيرة زايرا تسفيجبا. صفحة بعد صفحة، يحكي الكتاب عن مصير الراقص المميز، والمرتبط مع حياة الفرقة التي أنشأها. الحديث عن كانديد تاربا و فرقة الرقص الشعبية الحكومية "قوقاز"، ظهر الكتاب عشية الذكرى السنوية المشتركة لكل من تاربا و فرقته: حيث كانديد بلغ 70 عاماً، و "قوقاز" – 20 عاماً.
ولد كانديد تاربا في العام 1944 في قرية ميكو في مقاطعة أوتشامتشيرا في جمهورية أبخازيا.
تقول زائيرا تسفيجبا في كتابها بأنه في سنوات دراسته الأولى شارك في فرقة الهواة في تكوارتشال، حيث عاش عند أخته ميري للذهاب إلى المدرسة. هناك، في تكوارتشال، لاحظه فنان الشعب غيورغي شاكايا، الذي كان في ذلك الوقت قائد فرقة الرقص والغناء في المدينة، وحدث هذا في عام 1961 – وبشكل حرفي بعد عام كانديد دُعيَّ إلى مجموعة الرقص و الغناء الشعبية الأبخازية بقيادة راجدين غومبا ( الفنان المكرم في جمهورية جورجيا الاشتراكية السوفياتية، وفنان الشعب في أبخازيا، الحائز على جائزة الدولة المسماة تيمناً بديمتري غوليا. وعلى شرفه، تم تسمية المسرح الغنائي الحكومي الأبخازي – اضافة المحرر).
وبعد سنوات قليلة، وعلى الأداء الموهوب بالرقص القوقازي لكانديد تاربا – الذي كان لا يزال شاباً صغيرا، ويبلغ من العمر 19 عاما-مُنح لقب الفنان المكرم لأبخازيا. في إحدى المقابلات بعد سنوات عديدة، الراقص اعترف بأنه لم يتوقع أنه سيحصل على مثل هذه الجائزة الرفيعة في مثل هذا العمر.
الفنانة الشعبية لأبخازيا فيوليتا معن، التي كانت على معرفة جيدة بكانديد في شبابها، تتذكره بدفء شديد وألم كبير على خسارته.
وتقول الفنانة: "ما زال من الصعب التصديق أنه ليس معنا" تاربا لم يكن راقصا بارزا فحسب، بل كان أيضا صديقا عظيما، كما قالت معن، وعلى مر السنين أصبح قريبها. "تزوج ابنة أخ زوجي نونا كوروا، ومنذ ذلك الحين أصبحنا عائلة ".
صداقة كانديد و فيوليتا بدأت مباشرة بعد مشاركتهم معاً في الجولة الفنية الى ساحل البلطيق في العام 1967، حيث دُعيت معن كمقدمة لبرنامج الحفلات الموسيقية لفرقة الرقص والغناء الحكومية، التي رقص فيها تاربا.
فكما تقول فيوليتا معن "كنت أعرف عنه من قبل، ولكن أصبحنا أصدقاء مقربين بعد الجولة. كان دائما يبقى بعد التدريبات في القاعة ليقوم بإعادة الرقصة مرة أخرى، ليؤكد على حركة معينة. كانديد وضع كل روحه في الرقص".
وتذكر أيضاً أن موهبة كانديد كان من الصعب تجاهلها. وهكذا، التحق تاربا في عام 1968 بفرقة الرقص الأكاديمية الحكومية للرقص الشعبي الجورجي تحت قيادة فناني الشعب في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية نينو راميشفيلي وإيليكو سوخاشفيلي.
لتضيف معن قائلة: "أراد الجميع الرقص في هذه المجموعة، والتي كانت معروفة خارج الاتحاد السوفيتي. و كانديد أصبح جزءا من هذه المجموعة والتي تجول معها حول نصف العالم تقريبا".
وبالإضافة إلى الموهبة، ساعدته على المثابرة والأداء. لقد كان متماسكا جدا في تطوره. ونستطيع القول، أن كل خطوة وكل حركة رقص قادت كانديد إلى" قوقاز " – التي هي قمة إبداعه و عمل حياته.
"امضي الى الأمام، أيها الرجل!"
شقيق كانديدا آرفيلود تاربا، الرئيس الفني الحالي لفرقة "قوقاز" يقول أن شقيقه الأكبر كان يحلم بتأسيس فرقته لفترة طويلة. وخلال الحرب الوطنية لشعب أبخازيا في الفترة 1992-1993، فكر جديا في إنشاء فريق يجمع أفضل الراقصين من جميع أنحاء القوقاز.
وبعد شهر واحد فقط من نهاية الحرب، شارك كانديد فكرته مع رئيس اتحاد الشعوب القوقازية، موسى شانيبوف، والذي أيدها بحرارة. الكلمة الأخيرة بقيت لفلاديسلاف أردزينبا –الذي كان وقتها القائد الأعلى ورئيس المجلس الأعلى لأبخازيا، والذي بعدها بوقت قريب أصبح – الرئيس الأول للجمهورية. فتوجه إليه تاربا، وكما كان يقول لاحقا في مقابلة،"لم يفكر بهذا كثيراً".
فكما يتذكر تاربا عن هذا الموقف بقوله : "فقد استمع الي، ونظر إلي مع ابتسامة الموافقة وقال،" امضي الى الأمام، أيها الرجل!".
بالطبع تأسيس "قوقاز" سبقها الكثير من العمل الشاق والاجتماعات والمفاوضات، والأهم من ذلك – البحث عن الراقصين. ولهذا الغرض، يتحدث آرفيدول تاربا، بعد تأييد فلاديسلاف آردزينبا للفكرة، كانديد ذهب إلى شمال القوقاز.
"هذه الفكرة (اي تجميع أعضاء فرقة "قوقاز" –اضافة المحرر) أصبحت معنى حياته. كان مولعاً بها. لقد فكر ليلا ونهارا بالفرقة، كما يقول أرفيلود، متذكرا كيف أن شقيقه قام على الفور بدعوة الراقص الأسطوري في ذلك الوقت نودار بلييف من أوسيتيا الجنوبية للعمل في فرقة "قوقاز".
"بالإجمال، كان الفريق مؤلف من 25 شخصا، و كنت أنا فقط من أبخازيا "، يتحدث مبتسما أرفيلود تاربا.
وتضم المجموعة راقصين شباب معروفين. ومن بينهم رسلان عبدوكوف ومارينا خاتسوكوفا من الأديغي. كما وافق مرادين خادجايف والذي هو أيضاً من الأديغي على أن يكون مدرب الباليه المتخصص، والذي كان راقصاً مشهوراً بالفعل ليس فقط في وطنه ولكن أيضا في جميع القوقاز. بالمناسبة، والد مرادين –هو المدير الفني اليوم لفرقة الرقص الشعبية الأكاديمية الحكومية في الأديغي "نالمس" وهوأصلان خادجايف، الذي رقص هو نفسه في"قوقاز".
انتصار الفرقة المجهولة
وهكذا، تم الانتهاء من تجميع الأعضاء. وبدأ العمل الشاق، وساعات من التدريبات: كان على الجميع أن يتعرفوا على بعضهم البعض، ليشعروا في أي اتجاه يتحركون. وبعد ذلك جاء أحد الأيام الرئيسية في حياة المجموعة –الأداء أمام الجمهور. بالطبع، فيما بعد أصبح لدى فرقة "قوقاز" العديد من العروض العظيمة و الحفلات الرائعة في أبخازيا وفي الخارج، وحازت على التشيجع الغير منتهي، ولكن الحفل الأول ل "قوقاز" سوف يبقى في الذكرى الى الأبد.
والذي كان في عام 1994. حيث أبخازيا، لم تُشفَ بعد من جراح الحرب، والمعاناة على ابنها المتوفي، وكانت بحاجة ماسة إلى الراحة، تتوق لتأخذ رشفة من الماء الحي من الأمل والفرح، والذي تَجَسد في حفل فرقة "قوقاز".
ويتذكر بفخر آرفيلود تاربا عن الحفل الأول قائلاً: "في الذكرى السنوية الأولى لانتصار الشعب الأبخازي في الحرب الوطنية، في 30 أيلول عام 1994. كنا قلقين جداً من عرضنا الأول، متوترين، لم نكن نعرف كيف سيتم تقبُلنا. ففي ذلك الوقت لم يكن أحد يعرف المجموعة، وهذا ما أدى الى إثارة أكثر. الحفلة الموسيقية كانت في الملعب الوطني، أدينا مزيج من رقصات شعوب القوقاز. وكان النجاح كبيرا".
3000 متر من القماش من تركيا
طبعاً، عندما بدأت فرقة "قوقاز" في الظهور، كانت هناك مشاكل كبيرة مع الأزياء. حيث قامت إدارة الفرقة حرفيا بجمعها "من بعض الأشخاص بالقطعة". ويقول أرفيلود تاربا أنه بدعم من فلاديسلاف أردزينبا، كانديد ذهب لشراء أقمشة الأزياء من تركيا.
وشارك تاربا :"ساعدنا في ذلك الجالية الأبخازية في تركيا، وبالتحديد عرفان أرغون، جمال الدين آردزينبا، ومهنور باببا. أحضر كانديد في السفينة ما يقارب الثلاثة آلاف متر من القماش الذي يساوي أكثر من 25 ألف دولار. أتذكر عندما قمنا بإفراغها جميعا، لقد غمرتنا السعادة بشكل لايوصف".
ويضيف أيضاً أنه بينما كان شقيقه في تركيا، قام رئيس وزراء الجمهورية والذي كان آنذاك غينادي غاغوليا بجعلها فرقة حكومية... وهذا حدث تقريبا بعد سنة فقط من تأسيسها!
روسيا، تركيا، ألمانيا...
قدمت فرقة " قوقاز" في تركيا استعراضاتها الفنية الاولى خارج البلاد في أكتوبر عام 1995. كان الفريق جاهزًا تمامًا لكسب قلوب الجماهير، ومن بينهم ممثلو الشتات الأبخازي- الأباظة.
يقول أرفيلود تاربا : "كان من المفترض أن نبحر بتاريخ 22 أكتوبر في الساعة 10 صباحًا على متن سفينة "ريتسا" (سفينة ركاب على الخط البحري سوخوم - طرابزون - من المحرر). لكن رحلتنا وقف بوجهها الجورجيين".
وتابع ارفيلود تاربا قائلا، ان هذه المسالة حلت عن طريق فلاديسلاف أردزينبا، الذي اجرى محادثات في موسكو بهذا الشان.
واضاف : "لا أعرف مع من تحدث هناك، لكننا تمكنا من الوصول إلى طرابزون، حيث استقبلتنا الجالية الأبخازية - الأباظة والجالية الشركسية في تركيا. ويشار إلى أن سفينة "ريتسا" بعد هذه الأحداث توقفت عن رحلاتها ".
الجولات شملت 16 محافظة في تركيا واستمرت حتى 18 نوفمبر 1995. وبعدهم، لم تغادر فرقة "قوقاز" إلى اي مكان ولمدة أربع سنوات، ولكن التدريبات كانت مستمرة بشكل دائم وقدمت الحفلات بانتظام في أبخازيا.
وفي عام 1999، انتظرتهم أحد أشهر القاعات في موسكو- قاعة حفلات تشايكوفسكي العظيمة- وحققوا نجاحا كبيرا هناك. وحضر عرض فرقة "قوقاز" ممثلو وزارة الثقافة من الاتحاد الروسي، والجالية الأبخازية في موسكو برئاسة تاراس شامبا (الذي شغل منصب رئيس الجمعية الدولية لشعوب الأبخاز- الأبازين ( الاسم الأول للكونغرس العالمي للشعب الأبخازي - الاباظة) – اضافة المحرر).
وفي نفس عام 1999 تلقت فرقة "قوقاز" دعوة لحضور المهرجان الدولي للرقص الشعبي للدول الأوروبية، الذي أقيم في مدينة بالينغن الألمانية.
"لم نكن نعتقد أنه يمكننا الذهاب، ولكن قام بمساعدتنا ألكسندر أنكفاب (رجل الدولة الأبخازي والسياسي، الرئيس الثالث للجمهورية - اضافة المحرر). كان لدينا جوازات السفر من الاتحاد السوفياتي والتي أصبحت غير موجودة، ولكنه بطريقة ما حل هذه المشكلة، و شاركنا في المهرجان" كما تحدث آرفيلود تاربا.
ويضيف بأن ذكريات تلك الحفلات الموسيقية الأولى "تدفئ الروح بالأكثر". وفي وقت لاحق، حققت الفرقة النجاح على خشبة المسارح، وأصبحت مشهورة عالميا في مسابقات الرقص المرموقة، وسافر الفريق وجاب نصف العالم.
"الرقص –هو في الحياة بأكملها"
توفي كانديند تاربا قبل ثلاث سنوات في آيار عام 2016. المؤسس والمدير الفني لفرقة الرقص الشعبية الحكومية الأبخازية "قوقاز" وفنان الشعب في الاتحاد السوفياتي، الحائز على وسام "أخدز- آبشا" من الدرجة الثانية، والحائز على الوسام الروسي صداقة الشعوب، لقد ترك وراءه إرثا ضخما، و الذي يضاعفه أخيه الأصغر في وقتنا الحالي.
فرقة الرقص "قوقاز" تواصل التقاليد التي أرساها المؤسس والراقصون الأوائل. ذخيرته الفنية تتضمن العديد من الرقصات اللامعة، ومعظمها تشكل حياة كاملة. إنبهار خاص يبديه الجمهور في وقتنا الحاضر عند تأدية عرض "الرقص مع الخناجر" التي يؤديها الرجال من الفريق. في برنامج الفرقة هناك عروض دائمة مثل "الرقصة الجبلية"، "بيريبلياس"، ورقصة "قوقاز" وغيرها الكثير.
بعد كل حفل لفرقة "قوقاز" يبقى لدى الجمهور طعم خاص لوقت طويل. ولاحظ العديد من الراقصين المشاهير الذين شاهدوا أداء الفرقة وضوح تنفيذ الحركات، إلى جانب البراعة في الأداء. "قوقاز" كانت ولا تزال واحدة من أبرز فرق الرقص القوقازي.
تأسست مباشرة بعد الحرب، وأصبحت الأمل لجميع الناس، وأكدت، أن الرقص والاحتفال في الحياة ممكنة. "قوقاز" لم تتوقف عن عملها الإبداعي أبداً، فقط قلَّبت صفحات التاريخ، وتناوب فيها أجيال من أفضل الراقصين الى الآن.
واختتم أرفيلود تاربا حديثه قائلا : "سنكمل المسيرة. فعيون الشباب (الراقصون الشباب – اضافة المحرر) تبرق ترغبا، كما كانت حالنا في ذلك الوقت. فالرقص – هو شكل للحياة بأكملها".
وقريبا جدا،سوف تغزو فرقة الرقص قمم جديدة. فمن المتوقع أن تقدم عروضها في روستوف وكراسنودار وفلاديكافكاز، اما في أبخازيا سيكون عرضها في سبتمبر من هذا العام، مع برنامج بمناسبة اليوبيل الكبير، اذ سيعرضون الرقصات القديمة والجديدة، والتي وبلا شك، وكما هو الحال دائمًا، ستخترق انفاس المشاهدين.