أريفا كاببا
ولد رجل الدولة البارز والشخصية السياسية، يوري كالميكوف في الأول من يناير عام 1934 في قرية ابازاكت، وتقع على بعد حوالي 20 كيلومترا من تشيركيسك. إلا أنه بحسب الوثائق الرسمية، فإن تشيركيسك، التي كانت تسمى آنذاك السنوات باتالباشينسك (اسم تشيركيسك حتى العام 1934) مدرجة كمكان ميلاده. كان والدا يوري معلمي مدرسة، وتوفت والدته من ارتفاع ضغط الدم عندما كان يبلغ من العمر 13 عامًا فقط.
لقد كان يوري أكثر ميلاً نحو علوم الإجتماع من العلوم العلمية، والتحق بالمدرسة الثانوية الطبية الشركسية في سن الخامسة عشر، حيث حصل على مهنة مساعد طبي.
يوري كالميكوف: المحامي والمدرس
في سن الثامنة عشرة، أصبح كالميكوف طالبا في القانون بمعهد كالينين للقانون في لينينغراد، وابتداء من العام 1957 درس القانون في جامعة جدانوف الحكومية في لينينغراد، وبعد تخرجه من هذه الجامعة، واصل الشاب مهنة المحاماة كطالب دراسات عليا في معهد ساراتوف للقانون المسمى تيمناً بكورسكي ، حيث بقي للتدريس.
ربط كالميكوف نشاطه المهني لفترة طويلة مع مدينة ساراتوف، وقد أصبح متخصصا في القانون، وعلى وجه الخصوص ، كان يعتبر من أشهر المتخصصين في القانون المدني في ذلك الوقت في روسيا، ومؤسسا لمدرسة ساراتوف للقانون المدني.
وفي معهد ساراتوف للقانون، اكتسب شهرة كمدرس أسطوري، وهكذا كتب عنه الكاتب آدم ديموف في مقالة "يوري كالميكوف. حق العدل": "إن دورات كالميكوف وأبحاثه في القانون المدني قُدرت من قبل جميع المجتمع القانوني للبلاد، وكان المعلم كالميكوف محبوبًا ومحترمًا: من قبل العلماء كزميل، و من قبل الطلاب - كمعلم حكيم وحنون. ومن ذكريات طلاب يوري كالميكوف، كان الجميع يريدون تقديم الاختبارات عنده. إذ كانت الاختبار يتحول إلى محادثة بين أشخاص ذوي تفكير مشابه. لم يكن المعلم متشدداً ، ولم يسعى إلى "التعمق": فمن الطالب "المشتت" كان يسحب حرفياً الموضوعات المألوفة لديه.
تحدي جديد: طريق السياسي
حقق العالم كالميكوف، الذي تمير بعمق اهتمامه بعلم الحقوق، نجاحا كبيرا في المجال المهني، حيث حصل على درجة في الدراسات العليا في عمر 34، وعلى درجة الدكتوراه في العلوم في الـ 37 من العمل، إلا أن القدر أعد له الكثير من النجاح في مجال العلوم والتعليم و علم الحقوق: حيث بدأت أنشطته السياسية و الحكومية.
لقد تم انتخاب يوري كالميكوف نائبا شعبيا في المجلس الأعلى للاتحاد السوفيتي، وكمحامي محترف، عمل في هذا المنصب بشكل على تحسين تشريعات البلاد، إضافة الى ذلك، كانت صفاته المهنية البارزة مطلوبة في موسكو بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
عُرض على كالميكوف تولي منصب وزير العدل في روسيا الاتحادية في العام 1993، وقد وافق على ذلك، وكان إنجازه الرئيسي في هذا المنصب هو تطوير القانون المدني للبلاد، كما شارك في إنشاء دستور روسيا الاتحادية.
إلا أن يوري كالميكوف استقال من منصبه كوزير في العام 1994، وذلك بسبب رفضه القاطع لقرار يلتسين (بوريس يلتسين - أول رئيس لروسيا الاتحادية) حول بدء الحرب في الشيشان.
لم ينسى أصله قط
بالطبع ، كانت شهرة يوري كالميكوف معروفة في قراشاي-شركيسيا، حيث كانوا فخورين به ، وأتخذوه كمثال يحتذى به، وعلى الرغم من أنه لم يكن يعيش في موطنه في شبابه ، إلا أنه لم ينس أبداً جذوره ولم يفصل نفسه عن شعبه.
وتحدث يوري في كتابه "تحولات القدر" كيف ولد في القفقاس وعاش هناك لفترة زمنية قصيرة، وعلى الرغم معرفته للغة والعادات، أتضح أن تلك السنوات القليلة كانت كافية له، لتشكيل وعي قومي لديه.
وكتب يوري "تلك السنتين أو الثلاث التي قضيتها في القرية أصبحت الأساس الذي انطلقت منه بوادر الوعي الذاتي الوطني بسرعة، وظهر لديه اهتمام خاص بمصير شعبه، وكما كتب كاليكوف إن بغرات شينكوبا كان على حق عندما قال أن الطفولة هي "جذر الروح البشرية ، فهي تنمو فينا من خلال الشخصية والقدر".
وبالتالي، أصبحت شؤون القوقاز جزءا لا يتجزأ من مصيره، وأفكاره. ولذلك، فإنه ليس من المستغرب أنه ترأس الرابطة الشركسية الدولية في العام 1991، وأصبح رئيسا لكونغرس شعب القبردي في العام 1992.
من أجل القوقاز ومن أجل أبخازيا
ولعبت هاتان المنظمتان بشكل خاص ويوري كالميكوف شخصيا دورًا كبيرًا في الدعم الذي قدمته شعوب شمال القوقاز الشقيقة لأبخازيا أثناء الحرب الوطنية 1992-1993.
وتحدث كالميكوف في نفس الكتاب "تحولات القدر": "عندما علمت عن بداية العمليات القتالية في أبخازيا، اتصلت فوراً بمدينة نالتشيك ونقلت لهم باسم اللجنة التنفيذية للرابطة الشركسية الدولية دعوة جميع للذهاب لمساعدة أبخازيا، ثم توجهت بنفسي إلى قبردينو - بلقاريا ، حيث كان قد بدأ هناك تسجيل المتطوعين".
وكانت هذه المساعدة التي قدمها كالميكوف محل تقدير كبير من قبل الرئيس الأول لأبخازيا، فلاديسلاف أردزينزبا، الذي اعتبر كالميكوف صديقاً عظيماً "رجل ذو روح نادرة وموهبة نادرة".
هكذا تحدث أردزينبا عن يوري كالميكوف: "في أصعب الأوقات <...> كان بين اوائل من رفع الصوت دفاعا عن شعبنا، كونه رئيس كونغرس شعب القبردي، وحالات الاضطهاد التي تعرض لها بسبب ذلك".
تحدث كالميكوف بصوت عال وبصراحة عما كان يحدث في أبخازيا، حتى الولايات المتحدة الأمريكية، خلال المؤتمر الدولي المكرس للوضع في شمال القوقاز، والذي عقد في مدينة أطلنطا عام 1993، تمت دعوته من قبل مركز كارتر (المؤتمر نظمه مركز كارتر ، وهو منظمة غير حكومية، تأسست في عام 1982 من قبل الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر).
المحللة السياسية والناشطة الحكومية ناتيلا أكابا ، التي كانت موجودة هناك كذلك، تحدثت حول ذلك في مقابلة مع التلفزيون الأبخازي: “بدا يوري كالميكوف مقنعا ومثيرا بشكل مذهل. فالاهتمام الموجه نحوه والذي أظهره الأمريكيون وغيرهم من المشاركين في المؤتمر ، بالطبع ، كان يتعلق بحقيقة أنه في ذلك الوقت كان وزير العدل في [روسيا الاتحادية] ، ذلك و (بالإضافة) الى حقيقة أنه كان شخصًا استثنائيًا، حكيماً بشكل مدهش، شخصا صادقا وذو مبدأ، وقد تحدث كالميكوف بشكل مقنع وعلني عن مشكلة أبخازيا، وعن المأساة المرتبطة بانهيار الاتحاد السوفييتي، وعدم الاستقرار في العديد من العلاقات.، وأعتقد أن كلمته هناك لها أهمية كبيرة بالنسبة لأبخازيا ".
كالميكوف في مذكرات محمد كيلبا
هذا ويتحدث أمين مجلس أمن أبخازيا، محمد كيلبا، عن المساهمة الفريدة ليوري كالميكوف في دعم الشعب الأبخازي في الحرب الوطنية.
وقال كيلبا: "إن اسم يوري كالميكوف في العالم الأديغي- الأبخازي، العالم الشركسي، هو الأكثر شهرة والأكثر احتراماً، إن يوري كالميكوف وبوريس أغباشيف (رئيس مجلس إدارة المنظمة الشركسية "أديغا خاسا" في موسكو) بالثات، قاما آنذاك بتحريك الجالية الأبخازية والشركسية خلال الحرب، ومن هناك جاءت أول مساعدة مالية جدية إلينا، حتى أنني أعرف أنهما خلال الحرب وصلا بالقارب من أدلر إلى غوداوتا وأحضروا معهم مساعدات مالية كبيرة، أنا لم ألتقي بهم ، لكن فلاديسلاف آردزينبا تحدث عن ذلك".
تعرف محمد كيلبا شخصيا بيوري كالميكوف بعد الحرب ، في مدينة تشيركيسك. وشهد كيلبا مرارا اجتماعات كالميكوف مع القيادة العليا لأبخازيا خلال زياراته العديدة إلى سوخوم.
ويتذكر أمين مجلس الأمن في أبخازيا بشكل خاص العلاقات الحميمة والودية بين فلاديسلاف أردزنبا ويوري كالميكوف، كما خطر في ذاكرته بشكل خاص لقاء ثلاثة من "أبناء القوقاز العظماء" : بغرات شينكوبا (العالم والسياسي والكاتب الأبخازي المشهور)، وفلاديسلاف أردزينبا ، ويوري كالميكوف .
وقال كيلبا: "بالطبع ، بعد الاجتماعات الرسمية ، واللقاءات كان هناك المائدة الأبخازية التقليدية"، وأنا أتذكر أحد هذه الموائد، أتذكر أن غينادي غاغوليا كان المضيف، أما فلاديسلاف أردزينبا، وباغرات شينكوبا ويوري كالميكوف استلموا زمام الحديث".
وتابع: "لقد دهشت ، كيف هؤلاء العظماء الجادين، يفرحون مثل الأطفال الصغار. لقد كانت لحظة اتصال واحترام عميق وعلاقات أخوية مع بعضهم البعض. وعندها كانوا يتذكرون حتى ما نسوه ، و استمتعوا بالبهجة و السعادة حولهم على الطاولة! "
"مثل كل العظماء ،كان قادرا على التنبؤ"
حدث أن محمد كيلبا كان واحداً من الذين وجدوا أنفسهم عند كالميكوف بعد وفاته مباشرة. في يناير 1997 ، وصل يوري كالميكوف إلى مطار منيرالينيي فودي، حيث كان ينوي السفر إلى شيركيسك لحضور اجتماع لجنة الرابطة الشركسية الدولية، وكان كيلبا موجودًا في ذلك الوقت في شيركيسك: وصلني في غرفة الفندق الخبر الذي يقول أن كالميكوف مريض في صالة الإنتظار بالمطار، و أنه توفي.
وقال كيلبا: “بعد أن علمنا أنه في عيادة الطب الشرعي في مينفوودي، تحركنا على الفور، وبقافلة كبيرة من السيارات توجهنا الى هناك. أتذكر أنه كان يوم عطلة ، ولم يكن من السهل إستلامه من هناك ، لأن ذلك تطلب وثائق، إلا أنه تم تسوية كل شيء، وكنت من بين أولئك الذين حملوا جثمان يوري كالميكوف من هذه المشرحة المشؤومة ".
تجمع الكثير من الناس في جنازة كالميكوف في تشيركيسك ، وحملوا التابوت عبر المدينة كلها وصلاً الى مدخل قريته الأم ابازاكت ، حيث دفن بتكريم كبير.
ويشير كيلبا قائلاً: "لقد فوجئت عندما علمت لاحقاً من زوجة يوري كالميكوف ، أوكتيابرينا كالميكوفا، أنه قبل وفاته بفترة قصيرة (كالميكوف.) قد رسم شخصياً بيديه الرسم التخطيطي لقبره المستقبلي. في جميع الأحوال ، كان رجلاً عظيماً ، وككل العظماء ، عرف كيف يتنبأ بكل شيء".
وضع نصب تذكاري ليوري كالميكوف في مدينة تشيركيسك في مايو العام 2008، وفي سوخوم تم تسمية شارع باسمه. في هذا العام، وفي الذكرى السنوية ليوري كالميكوف (في العام 2019 ، كان من الممكن ليوري كالميكوف أن يبلغ من العمر ال 85 سنة) ، تم التخطيط في جمهورية أبخازيا لعدد من الفعاليات في ذكرى صديق أبخازيا الكبير وابن القوقاز العظيم.
آدم ديموف. "يوري كالميكوف. حق العدالة "
فيلم وثائقي بعنوان "منعطفات القدر" ، شركة تشيركيسك التلفزيونية
الفيلم التلفزيوني" ضمير القوقاز. يوري كالميكوف "، AGTRK
يوري أغيربوف. "الفخر والأمل باسمه. حامي الشعب الشركسي "