استضفنا مؤخراً في مكتبنا بسوخوم التابع للكونغرس، النجمين البارزين في رياضة قفز الحواجز- خارلام وناتاليا سيمونيا. خلال اللقاء، شاركا معنا قصصاً مميزة من مسيرتهما الحياتية والرياضية، وتحدثا عن المنعطفات غير المتوقعة في حياتهما، وكيف تمكنا من تخطي العقبات في طريقهما نحوالنجاح. محور اللقاء كان تسليط الضوء على خارلام سيمونيا، والذي  يمكن وصفه بأنه: - رياضي على المستوى الدولي في قفز الحواجز - بطل الاتحاد السوفيتي أربع مرات - حائز على كأس الاتحاد السوفيتي مرتين - أستاذ رياضة في الاتحاد السوفيتي - مدرب فخري في جمهورية أبخازيا - حاصل على وسام "أخدز-أبشا" من الدرجة الثالثة

إعداد: إيسما غولاندزيا

  

بداية الرحلة والمسيرة المهنية

نشأت محبة الخيل لدى البطل المستقبلي منذ طفولته المبكرة، فقد خاض والد خارلام غمار الحربين العالميتين ضمن صفوف الفرسان، بينما كان قريبه فاليري شاكريل محترفًا في رياضة الفروسية، وشقيقه ديمتري لاعبًا بارعًا في الألعاب الوطنية. في منزل العائلة ببلدة "ليخني"، كانت الخيل دائمة الحضور، مما أتاح لـخارلام تعلم ركوب الخيل في سنٍ مبكرة، وقضاء وقتٍ طويلٍ مع هذه الحيوانات النبيلة.

في المرحلة المدرسية، بدأ خارلام ارتياد نادي "غوداوتا" للفروسية، حيث تتلمذ على يد مدربيه الأوائل: ليف باببا، فاليري شاكريل ودولتبي أتشبا. وببلوغه سن الرشد، نال لقب "بطل في الرياضة"، ثم التحق بالفرقة الرياضية في تبليسي، حيث تدرب تحت إشراف فارس الاتحاد السوفيتي الأسطوري فلاديمير راسبوبوف.

في احدى الاجتماعات الرياضية، حدث موقف لا يُنسى، حيث توجه كبير مدربي المنتخب الجورجي إلى المدرب راسبوبوف أمام الجميع قائلاً:

-هل ندفع لك ألف روبل شهرياً مقابل تدريب "سيمونيا" وحده؟!

فكان الرد حاسماً:

-أرني رياضياً آخر هنا يتدرب بنفس حماسه!

في عام 1977، انضم البطل إلى المنتخب السوفيتي للشباب في رياضة قفزالحواجز، ليتم اختياره عام 1981 للانضمام إلى الفريق الرئيسي، حيث ظل عضواً فيه حتى انهيارالاتحاد السوفيتي.

خلال هذه الفترة الذهبية، حقق الرياضي البارز:

- 4 مرات بطولة الاتحاد السوفيتي

- الميدالية البرونزية في ألعاب سبارتاكياد لشعوب الاتحاد السوفييتي

- مشاركات فعالة في بطولات أوروبا والعالم

تملي الرياضات التنافسية قواعدها الخاصة- في مطلع الثمانينيات انتقل سيمونيا إلى روسيا وعاش بين موسكو وروستوف، ليعود أخيراً إلى العاصمة موسكو التي يقيم فيها حتى يومنا مع عائلته.

الحصان كالبشر

يمر في حياة الفارس المحترف العديد من الخيول، فبعضها يحل محل الآخر عاجلاً أم آجلاً، ويعتاد الجميع على هذا "التبديل" الحتمي. وعلى الرغم من ذلك، إذا سألت أي فارس فسيذكر لك دائمًا اسم الحصان المفضل والأعز على قلبه.

في الحقبة السوفيتية، تم تشكيل مجموعة من الخيول الاحتياطية الأولمبية لأعضاء فريق المنتخب الوطني للاتحاد السوفيتي. حيث كان مدربون متخصصون يقومون بتدريب هذه الخيول قبل توزيعها على الرياضيين. أحد الخيول، واسمه ”خيرسون“ كان يعاني من مشاكل في القلب فقرروا منحه لسيمونيا، الذي كان يعيش في أبخازيا. قام هواء البحر الشافي بعمله، واتحد الفارس والحصان معاً ليشكلا ثنائياً قوياً، أصبحت قوة الشخصية والاحترام المتبادل السمتين الأساسيتين في هذه العلاقة.

"كان حصانًا رائعًا، وكان يفهم علي كل شيء كالإنسان. شاركت معه في كأس الاتحاد السوفيتي وبطولة الاتحاد السوفيتي، وقفزنا في هولندا وفرنسا وإيطاليا. عندما وُلد ابن أخي، اتصل بي أخي للتشاور في اسم المولود، فقلت له: "لا تغضب مني، ولكن لنسميه خيرسون" وهذا ما حدث بالفعل- يروي خارلام سيمونيا

بالاضافه الى أن هذا الاسم ينسجم بشكل جميل مع التقاليد العائلية- فأختا خارلام سيمونيا تدعى "خانا" و"خيما"، والابنة الكبرى- خاتونا بينما تُدعى الصغرى خريستينا.

صعوبات خفية في عالم الرياضات الكبيرة

في عام 1988، كان سيمونيا يستعد مع زملائه الرياضيين للمشاركة في دورة الألعاب الأولمبية في سيول. جرت التصفيات النهائية في مدينة "تشوتوفو"، ورغم صعوبة المسار، إلاّ أنّ الفارس تمكن من اجتيازه بنجاح، مما ضمن تأهله للأولمبياد. لكن للأسف لم يُكتب لهذه الخطط أن تتحقق.

"أنزلنا الخيول في الساعة 4 صباحًا وخلدنا إلى النوم وعندما عدنا في الثامنة صباحًا، شاهدت بأم عيني أحد الرياضيين- وهو لاتفي الجنسية- برفقة المدرب "فيكتور نيناخوف" يخرجون حصاني "خيرسون" من الإسطبل الى الممر وينزعون حدواته الأمامية ثم اتصلوا بالمدرب الرئيسي "أوليغ أوفودوف" وأخبروه أن الحصان خيرسون أصيب بالعرج في قدميه الأماميتين. ذهبت إلى أوفودوف طالبًا تفسيرًا، فقال لي: 'أنا أيضًا لا أفهم ما يحدث، كنت قد قدمت القائمة النهائية للمشاركة في سيول، عندما أخبروني أن الحصان أصيب بالعرج لم أدرجك في القائمة'. نظرت في عينيه وقلت: أنتم جميعًا أوغاد"

في سيول، حقق الفريق السوفيتي نتائج باهرة وتفوق على جميع المنافسين في التصنيف الجماعي، لكن ولسخرية القدر، لم يتمكن الفريق من الفوز بأي ميدالية في منافسات الفروسية.

لم تنتهِ هذه القصة إلا بعد ثلاثة عقود، عندما اتصل أوفودوف بـسيمونيا وجرى بينهما حديث صلح ودي وصريح.

"في 31 ديسمبر/كانون الأول، كنا نحتفل بعيد ميلادي وحلول رأس السنة الجديدة، عندما اتصل بي أوفودوف ليقدم التهنئة وقال: 'أريد أن أخبرك أننا عاملناك بشكل سيء قبل أولمبياد سيول عام 1988، أريد أن أطلب منك الصفح عن ذلك'. يبدو أنه عانى طوال هذه السنوات من تأنيب الضمير بسبب ما حدث. وبعد ثلاث سنوات من تلك المكالمة، توفي"

رياضي وعالم

حدث اللقاء بين فلاديسلاف أردزينبا وخارلام سيمونيا صدفةً في محطة قطارات "كورسكي" بموسكو. في ذلك الوقت، كان أردزينبا يعمل في معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم السوفيتية، حيث كان يدرس تاريخ وثقافة الشعوب القديمة في آسيا الصغرى، بينما كان سيمونيا بطلًا من أبطال الاتحاد السوفيتي.

التقى الرياضي بالعالم على رصيف المحطة، في انتظار قطار يحمل طرودًا من أبخازيا. تقدم أردزينبا أولًا وسأل: "المعذرة، هل أنت خارلام سيمونيا؟". دار حديث بين الشابين وتبادلا أرقام الهواتف ثم دعا أردزينبا خارلام إلى منزله، وأصبحا يتواصلان بانتظام، ونسجت بينهما صداقة متينة.

يقول خارلام: "عندما اندلعت الحرب، هرعت فورًا إلى أبخازيا وبعد أن نزلت من السفينة في بيتسوندا، توجهت مباشرة إلى مقر القيادة عند أردزينبا. نظر إليّ عن كثب وقال: "لماذا جئت؟ نحن نعرف جيدًا ما تفعله. سنحتاج إلى الثقافة والرياضة لاحقًا. عندما نريدك، سنعثر عليك عد إلى عملك وواصل ما تفعله سنتدبر أمرنا بأنفسنا في الوقت الحالي". لم أكن أبدًا من يظهر أعماله، ولم أعلن قط أنني ساعدت هنا أو أرسلت شيئًا هناك. كان هناك من يقدمون المساعدة ثم تُذاع أسماؤهم على التلفاز مساءً!"

بعد سنوات، عندما علم خارلام أن أردزينبا يتسلق جبال آوادخارا ويمتطي الخيل هناك، فقرر أن يهديه سرجًا خُصّص لاستعراض موكب النصر الذي ترأسه المارشال الشهير جوكوف. تفاجأ أردزينبا بالهدية، وقابلها بإهداء صديقه سكينًا مرصعًا بحجر كريم وقلم حبر من الذهب وسأله: "هل لديك ابن؟ إذا رزقت بواحد، فاكتب اسمه بهذا القلم!"

”إذا أطلقوا النار عليّ، فسأموت بطلاً حاملاً العلم في يدي“

في عام 1992، وقبل اندلاع الحرب بفترة وجيزة، عُقد تجمع شعبي في الملعب الجمهوري بسوخوم. كان من المقرر أن يُعرَض علم الدولة رسميًا على الحاضرين، بعد أن أقرّه مجلس السوفييت الأعلى في خضمّ مواجهة شديدة بين النواب الأبخاز والجورجيين. وقد تم تكليف خارلام سيمونيا بحمل العلم، الذي بلغ طوله 1.5 متر في 70 سنتيمترًا.

يقول الرياضي متذكرًا تلك اللحظات:

"كان من المفترض أن نطوف بالخيول حول الملعب ونرفع العلم على المنصة، أنا وشاب آخر من شمال القوقاز. اتضح أن هناك العديد من الأشخاص الراغبين في حمل العلم ايضاً، حتى أنه تم تحذيري من خطورة الخروج- فقد كان هناك رجال يرتدون الملابس الشركسية يراقبون المكان من الخارج. فغضبت وقلت: 'أتعرفون ماذا؟ حتى لو أطلقوا النار عليّ الآن، سأموت بطلاً وأنا أحمل العلم في يدي!' ثم ركبت الحصان وانطلقت"

بعد ذلك، حُمل العلم بفخر على طول كورنيش العاصمة. ولكن، وبعد ثلاثة أسابيع فقط من اعتماد هذا الرمز الوطني، دخلت قوات مجلس الدولة الجورجي إلى الجمهورية. ومنذ الأيام الأولى للقتال، رفع المقاتلون الأبخاز العلم الأبيض والأخضر، الذي أصبح رمزًا للنضال من أجل الحرية والاستقلال.

عائلة خيّالة

ربطت رياضة الفروسية بين مصيرّي "خارلام سيمونيا" وزوجته "ناتاليا". ففي السباقات، التدريبات، وفي الحياة اليومية، يُلهم كل منهما الآخر ويكمّله، ساعيَين دائمًا نحو تحقيق الحلم الرياضي. تُعتبر ناتاليا نجمةً لامعة في سماء رياضة القفز على الحواجز في روسيا؛ فهي حاصلة على لقب "أستاذة رياضة من الدرجة الدولية" وبطلة الاتحاد السوفيتي ثلاث مرات للشباب، كما فازت ست مرات ببطولات روسيا وهي تنافس تحت إشراف زوجها المدرب.

ما يُميز هذه العائلة أيضًا هو عملها مع خيول من تربيتها الخاصة، مما يُثبت أن المربين الروس قادرون على إنتاج خيول قتالية قوية دون الحاجة إلى استيرادها من الخارج.

تسير على خطى والديها الابنة ”خريستينا“ التي حققت نجاحات ملحوظة على الساحة الرياضية.

تقول ناتاليا سيمونيا:

"ابنتنا خريستينا وضعت دبلومها في التربية جانبًا مؤقتًا، كنا نعتقد أنها قد تغير رأيها مع تقدم العمر ولكن لا، تدريجيًا أصبحت أستاذة رياضة ومدربة للأطفال. في كأس روسيا، شاركنا بفريقنا الخاص- أنا وخريستينا وإحدى الفتيات التي تتدرب معنا- وفزنا بالكأس كفريق مكون من ثلاثة أفراد"

نبذة عن رياضة الفروسية في أبخازيا

في الحقبة السوفيتية، تمتعت أبخازيا بعدد كبير من المحترفين في رياضة الفروسية. قبل انطلاق بطولات سبارتاكياد شعوب الاتحاد السوفيتي، كانت تُقام سبارتاكياد جورجيا، والتي كانت منتخبات أبخازيا تتفوق فيها باستمرار في جميع تخصصات الفروسية، بما في ذلك الترايثلون (الفروسية الثلاثية) والترويض والقفز الاستعراضي.

لكن بعد الحرب، تراجع الاهتمام بالفروسية الكلاسيكية، ولم يبقَ منها سوى بعض المسابقات التقليدية والألعاب الشعبية التي تُمارس في المناسبات المحلية.

"كان لدينا رياضيون متميزون، لكن للأسف لم يتبقَ منهم سوى القليل. الألعاب الوطنية شيء مختلف تمامًا. لم يعد هناك سوى أربعة أبطال حاصلين على لقب 'أستاذ رياضة الاتحاد السوفيتي' في الفروسية الكلاسيكية، وهم: أليكسي لاكربايا (الذي بلغ 90 عامًا مؤخرًا)، أكسينتي تاربا، أوتار تشانبا وأنا، أما الباقون فقد رحلوا. أتمنى أن يُدعى هؤلاء الأبطال كضيوف شرف في المسابقات، ويُكرموا لإنجازاتهم. المسألة ليست مجرد اعتراف، بل هي مسألة حفظ التاريخ وتذكُّر الأبطال. نحن لانريد أموالًا أو جوائز، بل نريد ببساطة أن يُذكر فضل هؤلاء الرواد. في الحقيقة، أود أن أقول أن تاراش خاغبا (رئيس اللجنة الحكومية للشباب والرياضة) هو الوحيد الذي يتذكرنا ويتواصل معنا باستمرار."- يواصل سيمونيا.

بطل يحمل علامة الجودة

بمبادرة من خارلام سيمونيا، أُقيمت في موسكو ”كأس أبخازيا“ لقفز الحواجز، حيث نُظمت مرتين في مجمع "بيتسا" للفروسية، ومرتين في مركز "بيغاس" للفروسية ثم في مجمع "فيڤات، روسيا!" عام 2024. وقد أصبح هذا الحدث مناسبة رياضية بارزة، تجمع أفضل الفرسان وتجذب جمهورًا كبيرًا من عشاق الفروسية.

بعد اعتزاله، واصل سيمونيا (68 عامًا) عطاءه في عالم الفروسية كمدرب، حيث يُعد اليوم أحد رموز هذه الرياضة في أبخازيا. لقد

تحول اسم "سيمونيا" إلى علامة جودة، ترمز إلى البطل الذي ينتصر مرتين: أولًا كلاعب، ثم كمدرب يقود الأجيال الجديدة إلى المجد.