يرتبط اسم الأمير ألكسندر أولدنبورغسكي بتأسيس منتجع غاغرا السياحي، الذي أصبح أول "محطة منتجعات" في القوقاز ابان روسيا القيصرية، ويصادف هذا العام الذكرى الخامسة والسبعين بعد المائة لميلاد الأمير.
أريفا كاببا
كان ألكسندر بتروفيتش أولدنبورغسكي من عائلة أمراء روسية مشهورة جدا من أصل ألماني. هذه السلالة كانت الفرع الأصغر من سلالة أولدنبورغ، والتي تم تقسيمها إلى غولشتين-غوتّورب -رومانوف (الفرع"الأكبر" بدأوا بالحكم في الإمبراطورية الروسية بعد وفاة الإمبراطورة إليزابيث في عام 1762 – اضافة المحرر) وغولشتين-غوتورب (كانوا حكام دوقية أولدنبورغ، الآن شمال غرب ألمانيا – اضافة المحرر). وللأخيرة ينتسب ألكسندر بتروفيتش.
في سانت بطرسبرغ
ولد في 21 أيار (2 حزيران، حسب التقويم الجديد. اضافة المحرر) عام 1844 لدى عائلة الأمير بيتر غيورغيفيتش أولدنبورغسكي و الأميرة تيريزيا ناسّاوسكايا. ومن جهة الأب، كان إسكندر أحد أحفاد الإمبراطور الروسي بافِل الأول.
حضر أمير أولدنبرغسكي الدورة الكاملة لكلية الحقوق، التي افتتحت في سانت بطرسبرغ في العام 1835 بمبادرة من والده، بيتر غيورغيفيتش. وورث الأمير الشاب أولدنبرغسكي من والده الرغبة في مساعدة الضعفاء ونشر العِلم بين الناس.
وكتب عن ذلك الصحفي أناتولي كليويف في مقاله المعنون" أمير أولدنبرغسكس – "الأب " لمنتجع غاغرا: "كان يعمل في جمعية خيرية، وكان وصيا على مستشفى الأطفال، وعلى الجمعيتين الخيريتين ترويتسكايا وغيورغيّفسكايا، وعلى جمعية العُقلاء، وموَّل العالم الروسي العظيم إيفان بافلوف في عمله لإنشاء المدرسة الفسيولوجية في روسيا".
في كانون الأول/يناير من العام 1890، بتمويل من أسرة أولدنبورغسكي وبمشاركة مباشرة من الأمير، افتتح في سانت بطرسبرغ المعهد الإمبراطوري للطب التجريبي (الآن معهد الطب التجريبي، وحتى آذار/مايو العام 1917 في الصحافة الدورية كان يسمى "معهد الأمير أولدنبورغسكي" – اضافة المحرر)، حيث بدأ إيفان بافلوف بتنفيذ خُطط تجاربه الشهيرة (الفيزيولوجي الروسي والسوفيتي الحائز على جائزة نوبل في الفيزيولوجيا أو الطب عام 1904 –اضافة المحرر).
في الأعوام 1870-1876 خدم الأمير في فرقة الحرس الأرستقراطي في فوج بريوبراجينسك، وفي 1877-1878 شارك في الحرب الروسية التركية برتبة لواء. ومنذ عام 1895 كان جنرال مشاة ومساعد عام في حاشية صاحب الجلالة الإمبراطوري، فضلا عن كونه عضو في مجلس الدولة للإمبراطورية الروسية. في العام 1903، الرسام الروسي الشهير إيليا ريبين رسم ألكسندر بيتروفيتش بين أعضاء المجلس، في الصورة الجماعية المُذهلة بحجمها "الاجتماع الرسمي لمجلس الدولة في 7 مايو العام 1901 في يوم الذكرى المئوية لتأسيسها" تم عرض هذه اللوحة في المتحف الحكومي الروسي في سانت بطرسبرغ منذ العام 1938.
هناك، في سانت بطرسبرغ، اليوم في شارع ليتني النصب التذكاري للأمير، الذي أقيم في عام 1889 لذكرى خدماته للوطن. ولكن في غاغرا لا يوجد مثل هذا النصب التذكاري بعد، على الرغم من أن هذه المدينة الأبخازية تدين بظهورها إلى أمير أولدنبرغسكي.
قلعة غاغرا والمناطق المحيطة بها
في القرن التاسع عشر كانت غاغرا أرض رطبة، حيث كانت الملاريا منتشرة، وكان المناخ رطبا، في الصيف شديد الحرارة. وكانت قلعة غاغرا أبات مُهملة بالكامل، والتي في نفس الوقت كانت تأوي حامية عسكرية، بعد أن أصبحت أبخازيا جزءا من الإمبراطورية الروسية (على أساس بيان الإمبراطور ألكسندر الأول، الإمارة الأبخازية انضمت للإمبراطورية الروسية وأصبحت جزء منها تحت الحكم الذاتي حتى عام 1964 –اضافة المحرر). وبعد الثورة الشعبية للديكابريين في العام 1825 في ساحة مجلس الشيوخ في سانت بطرسبرغ (انتفاضة النبلاء من أجل إلغاء الاستبداد وإلغاء القنانة التي انتهت بالقمع – اضافة المحرر) تم نفي ألكسندر بيستوجيف-مارلينسكي أحد المشاركين في الانتفاضة الى تلك الحامية.
في رسالته إلى الأخوين نيكولاي وكسينوفونتو بوليف ناشري المجلة "موسكو تلغراف"، من 19 يونيو/حزيران من العام 1836، وضع الكاتب هذه الصفات القبيحة لغاغرا في تلك الأوقات: "هناك الاكتئاب بين الجبال الضخمة على ساحل البحر الأسود في أبخازيا. الرياح لا تعصف هناك؛ الحرارة من الصخور الساخنة لا تطاق، وإلى أعلى، التيار يجف ويتحول إلى بركة نتنة. في هذا الوادي بنيت قلعة صغيرة التي يقصفها الأعداء من كل مرتفعات في النوافذ؛ وكانت حمى متفشية لدرجة أن مجموعة ونصف يموتون سنويا في الحامية، والباقي يخرجون من هنا بأمراض مميتة. كان هناك الفوج الخامس للبحر الأسود، والتي ليس من الممكن أن تتصل مع أماكن أخرى سوى عن طريق البحر، ولعدم وجود أي شبر من أرض المراعي كانوا يتغذون على اللحم المحفوظ الفاسد على مدار العام. وباختصار، فإن اسم غاغرا، كان الأكثر كارثية بالنسبة للروس القاطنين في جورجيا، وبالمعنى الحرفي هو للمحكومين بالإعدام".
وبعد أكثر من نصف قرن بقليل، سيرى ألكسندر بتروفيتش أولدنبرغسكي، العكس من ذلك، في هذا المكان شيئا واعدا وجذابا.
لقاء الأمير على الطريقة الأبخازية
كيف ظهر الأمير في أبخازيا، وما هو تاريخ بناء منتجع غاغرا السوفيتي العظيم؟ حول هذا الموضوع بالتفصيل كتب في مقاله، المؤرخ، البروفيسور ستانيسلاف لاكوبا.
وصل أمير أولدنبورغسكي لأول مرة إلى غاغرا في عام 1901 "على متن الباخرة "كاسحة الجليد" في الساعة 6 صباحا وصل الأمير الى أنقاض قلعة غاغرا – كما يصف لاكوبا الوضع- رحب بسموه مساعد رئيس مقاطعة سوخوم النقيب العسكري زينتشينكو بمارشات عسكرية".
والتقى بالأمير أيضا مجموعة من الأبخاز من قرية كالداخفارا-وبالطبع كانوا مضيافين: "على طاولة أُعِد خصيصا خروف مشوي كامل ونبيذ وجبن أبخازي محلي".
وهنا بعض التفاصيل الأكثر إثارة للاهتمام تتعلق بالاجتماع الأول للأبخاز وألكسندر أولدنبورغسكي، من خلال مترجم اسمه لاداريا، السكان المحليين طلبوا من الأمير الإذن لاستخدام بنادق من صفوف حراس الشرطة والذهاب إلى الجبال لاصطياد خنزير بري أو طائر الدراج البري وإحضار هذا الصيد للضيف الرفيع المستوى. والحقيقة هي أنه منذ عام 1898 تم نزع سلاح من جميع سكان مقاطعة غودوتا وفقا لأمر الحكومة القيصرية.
ويكتب لاكوبا: "ابتسم الأمير لدبلوماسيي الشعب وأمر بإعطاء الأبخاز ثلاث بنادق"، وسرعان ما عاد الصيادون ومعهم عنزتين بريتين، سر الأمير بالاجتماع، وتناول الطعام وشرب النبيذ الأبخازي، دون أن ينسى رفع كأس "من أجل صحة الأبخاز".
بعد أن أمضى الأمير بضعة أيام في غاغرا، تابع زيارته الى نوفي أفون، ثم إلى سوخوم، حيث زار حديقة "سينوب" في سوخوم (حديقة شبه استوائية، أقيمت في الضواحي الشرقية من المدينة في نهاية القرن التاسع عشر ومن ثم تم شراؤها من قبل الدوق الأكبر ألكسندر ميخائيلوفيتش رومانوف –اضافة المحرر)، تَرِكِة نيكولاي سميتسكوي (الروسي المحسن، مؤسس حديقة سوخوم والذي قام ببناء العديد من المنتجعات في منطقة غولريبش-اضافة المحرر) و حدائق ثيودور نوح (مزارع الزهور الروسي الذي نشر ثقافة الزهور في أبخازيا). أُعجب الأمير بكل ما شاهده لدرجة أنه حين عاد إلى سانت بطرسبرغ، أقنع قريبه الإمبراطور نيكولا الثاني أنه وجد مكان في القوقاز، حيث يمكنه إنشاء منتجع رائع مثل تلك التي في ريفييرا على البحر الأبيض المتوسط.
ويكتب أيضاً ستانيسلاف لاكوبا أنه "20 يونيو 1901 تم تخصيص 100 ألف روبل ذهبي من خزينة الوزارة لبناء محطة غاغرا المناخية ".
تحسين غاغرا
في تشرين الأول/أكتوبر العام 1901، بدأ العمل على بناء المنتجع، جلبت القاطرات البخارية مواد البناء على طول خط السكة الحديدية. وخلال تواجد أولدنبورغسكي هناك، تم تنظيف قلعة غاغرا القديمة أباتا وترميم الكنيسة المجاورة لها.
"على حساب أميرة أولدنبرغسكي (زوجة الأمير، ودوقة ليّختينبيركسك، الأميرة يفغينيا ماكسيميليانوفا رومانوفسكايا –اضافة المحرر)، تم الحفاظ على المظهر الأصلي بدقة، وترميم كنيسة القديس إيباتيا التابعة للقلعة، كما تم تزيين سقف المعبد بالصلبان الحجرية، وزينت الجدران بالرموز للفنان الروسي الشهير ميخائيل نيستيروف، الذي دعيَّ خصيصاً إلى أبخازيا من سانت بطرسبرغ"، — كما يشير كليويف في مقالته.
إستغرقَ بناء منتجع غاغرا أكثر من عامين بقليل. بجانب البحر كان هناك متنزه شبه مداري رائع مع بحيرات، ومنحوتات، وأشجار غريبة، وبالطبع، أشجار النخيل. على منحدر الجبل كان هناك حمام معدني مع حمامات رخامية إنجليزية، وفي المدينة القصور والمتاجر والمطاعم ومرفئ وخدمة بريدية تيليغرافية.
أحد أجمل المباني كان مطعم "غاغريبش" أمام حديقة شاطئ البحر (المَعلَم الرئيسي ورمز المدينة، الذي سميَّ على نفس إسم النهر المتدفق بجانبه –اضافة المحرر)- ثلاثة طوابق خشبية، مع ساعة كبيرة على الواجهة العلوية. ووفقا للأسطورة تم إحضارها إلى غاغرا على شكل أجزاء وبنيت من دون دق مسمار واحد، لتصبح نسخة طبق الأصل من مبنى عُرض في المعرض العالمي في باريس في عام 1902. ومن نفس المعرض تم إحضار القصر للأميرة يفغينيا أولدنبرغسكي، الذي كان الى جانب المطعم معلم معماري هام (لم يتم الحفاظ على القصر، وأصبح في حالة سيئة و تم تفكيكه في مطلع 80 من القرن العشرين –اضافة المحرر).
بالطبع، قلعة الأميرة كانت مثيرة للإعجاب بشكل خاص، بُنيت في ذلك الوقت على نمط الفن الحديث المألوف، وتظهر عاليا فوق المدينة على منحدرات جويكفاري.
هنا كيف يصف كليويف الديكور: "الغرف الأمامية وقاعة المأدبة، والمكاتب وغرف النوم في القصر زينت بأحجار رخامية مزودة بصور فنية، والسجاد فارسي، والوحات لرسامين مشهورين. وأعطيت قيمة كبيرة للأسلحة القديمة، الأثاث، الساماور والأواني الفضية التي عليها شعار أولدنبورغسكي"
ومن الجدير بالذكر أن الأمير أعطى الفنادق والمطاعم أسماء نموذجية من أسماء الأماكن المحلية، وغالبا ما استضاف الأمراء الأبخاز وممثلي العائلات النبيلة المحلية. هناك، على سبيل المثال، دليل وثائقي كيف توباز إينال-إيبا إستعد بعناية لعقد اجتماع مع أمير أولدنبورغسكي، وزيَّن الحصان بسرج ولِجام جديدين، وأخاط زي شركسي أبيض مُزين بطلقات فضية على الصدر، ثم اصطاد من نهر بزيب اثنين من سمك السلمون الدحم، وقدمها كهدايا لألكسندر بيتروفيتش. الذي استقبله بودية، ودعاه إلى الطاولة بسخاء، وعندما وغادر إينال-إيبا، أمير أولدنبورغسكي أهداه عربة ألمانية مع زوج من الخيول.
رنين الكؤوس والميداليات الفضية
تم افتتاح المنتجع الكبير في 9 يناير 1903 في مطعم "غاغريبش".
وكتب أناتولي كليويف حول ذلك: "تقبل أولدنبورغسكي تحيات وتهاني ضيوف، المصحوبة برنين الكؤوس الكريستالية ومنح مجموعة السائحين الأولى الميداليات الفضية المصكوكة خصيصاً لهذا الحدث الهام، وزينت الميدالية بالتاج الملكي،وشعار من الأحرف الأولى للأمير أ.ب.أو. والموقعة "غاغرا عام 1903"، وتوج عرض المنتجع بضيافة فاخرة، وتحية مدفعية احتفالية، ومسيرة احتفالية للحامية العسكرية المحلية والقيام بمراسم الصلاة في كنيسة القديس إيباتيا، "
الأمير الكسندر بتروفيتش أولدنبورغسكي عاش واستراح في غاغرا لفترة طويلة جنبا إلى جنب مع زوجته يفغينيا ماكسيميليانوفا، التي كانت مشلولة وبالتالي تنقلّت على كرسي كبير ذو ثلاث عجلات كرسي يجره حمار أبيض، و يقوده القزق. ابن أولدنبورغ بيتر كان متزوجا من شقيقة الإمبراطور نيكولاس الثاني الأميرة أولغا، آخر دوقة كبرى في بيت رومانوف.
بعد بداية الاضطرابات الثورية في العام 1917، غادر أولدنبرغسكي الإمبراطورية الروسية وعبر فنلندا ذهب إلى ألمانيا. ومن المعروف أنه قضى السنوات الأخيرة من حياته في مدينة بياريتز الفرنسية، وتوفي في عام 1932 عن عمر يناهز الـ 88، ودفن هناك على ساحل الأطلسي.
في تاريخ أبخازيا، سيبقى اسم ألكساندر أولدنبورغسكي مرتبطا بمساهمته الإبداعية في بناء واحدة من أفضل مدن المنتجعات في الجمهورية وساحل القوقاز.
المراجع:
-
معجم تاريخ الشخصيات الأبخازية.
-
ستانيسلاف لاكوبا. الأمير الكسندر أولدنبورغسكي.
-
الأمير أولدنبورغسكي - "الأب" منتجع غاغر. أناتولي كليوف