تحتفل عادلة عباس - أوغلي، العاملة المُكرمة في مجال الثقافة الأبخازية، والكاتبة، والحائزة على جائزة "أخدز-أبشا" من الدرجة الثانية، بعيد ميلادها التاسع والتسعين.
آستا آردزينبا
المرأة - الأسطورة، امرأة - العصر، البطلة والمثل الذي يُحتذى به. لقد كتب العديد من الصحفيين والكتَاب والشخصيات العامة والثقافية عن عادلة عباس- أوغلي في أوقات مختلفة، كما تحمل عادلة شاخبازوفنا لقب العاملة المكرمة للثقافة الأبخازية ولقب العاملة المخضرمة التي حازت عليها في العصر السوفياتي، كما حازت على جائزة على وسام "الشرف والمجد" (في اللغة الأبخازية أخدز-آبشا - أعلى وسام في جمهورية أبخازيا – اضافة المحرر) من الدرجة الثانية. ومع ذلك، لا يوجد هناك لقب أو جائزة أو ميدالية أو شهادة شرف، مهما كانت مرموقة، يمكن أن تعكس تماماً حجم شخصيتها.
عادلة عباس- أوغلي هي أحد أفراد أسرة الزعيم السوفياتي الأسطوري لأبخازيا نيستور لاكوبا، زوجة أخ ساريا لاكوبا (من نسل دجيخ - أوغلي)، الناجية الوحيدة من بين جميع أفراد هذه الأسرة، لقد تعرض جميع أقاربها للاعتقال، وتم طردها من الجامعة كونها "زوجة عدو الشعب"، وتعرضت للسجن والنفي، وعانت من الجوع، كما اضطرت للإختباء لسنوات عديدة – ومرّت بجميع دوائر الجحيم لقمع ستالين، لكنها نجت وتحدثت عن جميع ذكرياتها. ووصفت بشكل خاص الأحداث التي شهدتها –وكانت نصباً تاريخياً لتلك الحقبة، ومُساهم رئيسي في تاريخ أبخازيا، وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق والبشرية جمعاء.
من سكان العاصمة سوخوم
إن عادلة- هي حفيدة يحيى عباس- أوغلي من أصول إيرانية، المولود في مدينة سوخوم، ومالك مصنع الطوب. ترعرت في مرحلة الطفولة والشباب في منزل الجد الذي يقع عند تقاطع طريقيّ غيورغي ويكاثرينا (الآن تقاطع طريقيّ أيايرا و تشوتشوا – إضافة المحرر).
لقد كانت سوخوم في ذلك الوقت مدينة صغيرة، تهيمن عليها المباني الخشبية، أما عدد المباني الحجرية فكان 11 مبنى فقط، كما تذكر، عادلة شاخباسوفنا عن مدينة سوخوم في عشرينات القرن العشرين،عشنا في منطقة تقع في مثلث بين الدوائر التجارية والإدارية، بين الجسر الأحمر والجزء العلوي لمنطقة الفيلات التابعة للمدينة، واعتبرت هذه المنطقة أرستقراطية.
لقد كان سكان المنطقة يلبسون أحذية جلدية لامعة، الرجال والنساء كانوا يضعون القبعات الأرستقراطية الصغيرة، وبعض النساء كن يضعن بعض الإضافات من الأقمشة الشفافة على تلك القبعات، وفي أمسيات الشتاء البارد، كان المواطنون يذهبون لزيارة بعضهم البعض، حيث يقوم الرجال باللعب بطاولة الزهر، والشطرنج، والدومينو والبطاقات.
كنا نتحدث مطوّلاً، ونتذكر الأيام الماضية، ونشارك انطباعاتنا عن العروض والكتب. والأطفال يستمعون إلينا بأفواه مفتوحة، وعلى الطاولة كان هناك دائما القهوة، والحلويات، والفاكهة، والبندق".
كانت عادلة في الخامسة عشرة من عمرها عندما وقع في حبها إمدي دجيخ - أوغلي، شقيق السيدة الأولى لأبخازيا – ساريا لاكوبا، والذين تزوجا بعد فترة قصيرة. لقد تقبل والدها شاخباز زواج ابنته المبكر بصعوبة، و لكنه في النهاية بارك هذا الزواج. وهكذا انضمت عادلة إلى عائلة نيستور لاكوبا.
يظهر بعد ذلك أن الحياة الزوجية السعيدة لعادلة لم تكن طويلة: فبعد عام ونصف فقط من الزواج، بدأ اعتقال أفراد أسرة لاكوبا، ومن ضمنهم إمدي الذي لم ينج أيضاً من هذا المصير، ثم سرعان ما تم سجن عادلة أيضاً في سن الثامنة عشرة ونُفيت في شباط من عام 1938.
كي لا ننسى
وفي كتاب الذكريات "لا أستطيع أن أنسى" (عنوان الطبعة الثانية الإضافية لكتاب " أبخازيا – مصيري" –اضافة المحرر) وصفت عادلة شاخبازوفنا مدينة سوخوم في بداية القرن العشرين، وحياتها في أسرية رجل الدولة في أبخازيا السوفيتية، نيستور لاكوبا، والاجتماعات مع السياسين السوفييت و قادة الحزب في ذلك الوقت، الذين كانوا أصدقاء لاكوبا والذين في كثير من الأحيان تواجدوا في منزله.
ويصف الكتاب بالتفصيل القمع السياسي الذي عانى منه كل أفراد أسرة لاكوبا وعن عادلة نفسها بعد وفاته، وعن اعتقالها، والسجن، والنفي، والهروب، والاضطهاد.
وقد نُشر الكتاب لأول مرة في عام 2005. وقد أثار اهتماما كبيرا من جانب القراء، وتم بيعه في وقت قصير وأصبح بالفعل سيرة ذاتية نادرة. وقد ترجمت السيرة الذاتية لعادلة عباس-أوغلي إلى التركية والهنغارية. وأصبحت ذكريات ضحايا القمع السياسي لعصر ستالين مصدرا تاريخيا موثوقا به. وعلى خلفية الحياة الخاصة لسيدة سوخوم، تجلى تاريخ أبخازيا والاتحاد السوفياتي برمته.
"أحد الرجال المحترمين جدا، قرأ ذكرياتي، و سألني: - هل هذا حقيقي؟ لبضع ثوان كنت عاجزة عن الكلام من المفاجأة. - هل أبدو لك كاتبة ؟ فإذا استطعت كتابة كل هذا - إذاً لدي موهبة كبيرة!- كما كتبت عادلة شاخبازوفنا في الكتاب
اهل بيت يحبون الضيوف
تعيش اليوم عادلة شاخبازوفنا وابنتها ليليا (لفظ آخر لاسم ليلى – اضافة المحرر ) حياة هادئة نسبياً في منزلها. ونادرا ما تُجري المقابلات، ولكن إهتمام الصحفيين والمصورين مع مرور السنين لم يتوقف، و من وقت لآخر هنا في المنزل الذي يقع عند تقاطع طريقي أيايرا (النصر – اضافة المحرر) وتشوتشوا، يظهر الضيوف مع الكاميرات و المسجلات الصوتية و دفاتر الملاحظات.
إذا، حياة عادلة شاخبازوفنا أوحت للكاتبة والشاعرة القبردينية زارينا كانوكوفا لتكتب كتاباً عنها، وفي الوقت الحالي عائلة عادلة شاخبازوفنا تدرس القسم العملي للمادة.
وتتحدث ليليا أيضاً أنه، مؤخرا "تم تقديم عرض فيلم"، الذي تكون فيه عادلة عباس-أوغلي أحد الأبطال الرئيسيين. ويتحدث الفيلم الوثائقي عن "نساء غولاغ" الذي أخرجته ماريانا ياروفسكايا، والذي نوقش بنشاط في الأيام الأخيرة في الصحافة المحلية والأجنبية. ويتألف من سلسلة من مقابلات صريحة مع النساء اللاتي نجين من قمع الثلاثينات. و الذي صوُر لمدة خمس سنوات في جبال الأورال، والشرق الأقصى، وأبخازيا، وضواحي موسكو. فيلم "نساء من غولاغ" دخل في قائمة المرشحين لجائزة "الأوسكار" للأفلام القصيرة، وتمكن الجمهور الأبخازي من مشاهدته في مهرجان سوخوم السينمائي الثاني الذي أقيم في عاصمة أبخازيا في بداية نيسان.
عادلة شاخبازوفنا دائما سعيدة بإستقبال الضيوف، على الرغم من تقدم سنها وسوء صحتها مؤخرا، تجد القوة للترحيب الحار بهم، تقدم الضيافة وحتى انها تلاحظ أن الطقس في الخارج لا يَسُرّ.
"إنها تمطر طوال الوقت"، جملة إعتراضية تُضيفها أثناء حديثها
كما أنها، تشعر بالتعب عند التحدث مطولاً – فتاتي ابنتها ليليا لمساعدتها.
وتحدثت ليليا قائلة: "في العام الماضي ،قام بزيارتنا ضيوف من موسكو. كانوا أحفاد زميلة والدتي في الزنزانة، لقد حضروا لزيارة والدتي وعندما قرأوا الكتاب تعرفوا على جدتهم. كان لقاءاً مذهلا".
تستعد عادلة شاخبازوفنا للإحتفال بعيد مولدها ال 99 مع العائلة والأصدقاء، و سيقام الاحتفال في القاعة القديمة حيث أقيم حفل زفاف العروسين –إمدا و عادلة.
"في ذلك الوقت، ضيف حفل الزفاف، فاسيلي لاكوبا (الثوري الأبخازي، وأحد قادة وحدة التحرير الوطني كياراز –اضافة المحرر) قام بإطلاق النار ثلاث مرات النار نحو السقف"، - وكما تتحدث ليليا عن الإرث العائلي وتعرض لنا كأس زجاجي، مُحافظ عليه من زفاف والدتها وشقيق ساريا لاكوبا.
كما يتواجد في غرفة الضيوف الأخرى إرث عائلي آخر- إبريق مزخرف، الذي قدمه نيستور لاكوبا للعروسين كهدية زفاف.
كان ممنوعٌ علي قول كلمة "ماما"
ليليا يمكنها أيضا أن تروي الكثير عن نفي والدتها، والهروب من كازاخستان، حيث ولدت، ثم الإختباء المستمر لوالدتها، و حتى إعادة التأهيل الكامل لعديله عباس -أوغلي، الذي أثر على صحة ليليا وأخيها الأكبر المتوفي.
ولد كلاً طفلي عادلة في المنفى في شمال كازاخستان من زواجها المنفي أيضاً إيفان فاسيليادي. وحول تلك الفترة من حياتها كتبت بالتفصيل في كتاب السيرة الذاتية. لقد كان هذا وقت الظروف المعيشية اللاإنسانية والمجاعة والأوبئة. والذي كان غير معروف، الى متى ممكن أن يستمر، لولا الحدث الوحيد الذي غير مصير الأسرة.
وتتحدث عادلة عباس- أوغلي عن ذلك الوضع قائلة: "ذات يوم، سقطت ليلى ذات الثلاث سنوات وكسرت ذراعها من مرفقها. فحصها الطبيب بعناية وقال إن الوضع خطير جدا، لكنه غير قادر على المساعدة. اليد كانت منتفخة و مصابة بالإلتهاب لم نعرف ماذا نفعل، الطفلة مشرفة على الموت. وعندها قررت أن أتخذ خطوة جريئة: المغادرة مع الأطفال دون أخذ الموافقة، في سبيل إنقاذهم ".
استطاعت عادلة الهرب مع الأطفال، واختبأت لفترة طويلة، و في النهاية، وصلت إلى مدينة سوخوم. تمكنت ليلي من النجاة، لكن إصابة الطفولة كان لها تأثيرها مدى الحياة.
استقرت عديله في وطنها الأم، في غرفة واحدة من اصل المبنى، التي تركها النظام السوفياتي لوالدتها (وفي باقي الغرف اعطيت للمستأجرين). عادلة كانت بوضع غير قانوني. ولم يتمكن زوجها إيفان من العيش معهم: فقد وقع في المنفى مرةً أخرى بسبب جنسيته اليونانية.
"لم أستطع قول كلمة" ماما " كما تتذكر ليليا و الدموع في عينيها "عندما كنت طفلة سقطت وبدأت بالبكاء، بدأت بالنداء "أمي" طلبا للمساعدة، فهرع أخي وبسرعة غطى فمي بيديه، لقد كان من الممنوع أن يعرف أي شخص أن أمي كانت في أبخازيا. كونها فارّة من المنفى، كانوا يحضرون للتفتيش بشكل مستمر. أخوها، الذي كان طفلا أيضاً، أخفاها في الخزانة. لقد منعت تماما من ذكر ذلك أمام الغرباء"
رؤية الجمال
كل هذه الإختبارات لم تمر دون أن تترك أثرها على شقيق ليليا، الشاب الموهوب، فقد تم اكتشاف مرض عقلي لديه بدأ بالتطورعلى مر السنين. كان بحاجة إلى الدواء والإشراف الطبي المستمر. ثم توفي في سن 55 عاماً، ووفقا لمذكرات عادلة، توفيّ "بين ذراعيها".
في أحد فصول كتابها – "الماضي يمكن أن يقتل" – اعترفت عادلة: "أعتقد أنني ارتكبت خطأ كبيرا عندما أوحيت لأبنائي بأننا لسنا كالآخرين، وأنه من الممكن في أي لحظة نفينا مرة أخرى إلى كازاخستان، إذا كانت دراستهم سيئة و كانوا غير مطيعين. الآن أنا أفهم أن تجاربي ومخاوفي لا يمكن أن تمر دون أن تؤثر عليهم، بالإضافة إلى ذلك، تم فرضها على معاناتهم الخاصة. أولادي كبروا في أوقات صعبة، كان عليهم أن يواجهوا الألم، الحاجة، الإذلال، والخوف من فقدان والديهم".
الماضي يمكن أن يقتلك، ويكسرك، ويجعلك غاضبا. نظام "ستالين وبيريا كان قادراً على تحطيم القدر، ولكن لم يستطع كسر أو إستفزاز عادلة عباس - أوغلي. هذه المرأة مثال عظيم في حبها للحياة، وهي القادرة على رؤية جمال الروح.
واليكم هنا مثال. في الأشهر الأخيرة، فقدت بصرها تقريباً و كان المثير للدهشة أنه عندما التقطت باقة من أزهار الزنبق والتوليب التي قدمت لها إنهشت قائلة: "ما هذا الجمال!"
ميلاد سعيد، أيتها العزيزة عادلة شاخبازوفنا